«الإصلاح» في الخليج على كل لسان!
لقد كانت منطقة الجزيزة العربية تعطي النماذج الوحدوية، رغم اختلافاتها القبلية، فقد وحّدها، بعبقريته اللافته، أولاً الملك عبدالعزيز ثم وحدها، بتسامحه وصبره، زايد بن سلطان آل نهيان ثم جاءت وحدة اليمن، شمالاً وجنوباً، لتصبح المثل الثالث... وعلينا أن نحتفظ بها ونحافظ عليها؛ لأن الوحدة لا تأتي هكذا... ولكنها ثمرة كفاح الشعوب.
مسيرة "الإصلاح" في الخليج بدأت، وينقسم بشأنها القادة قسمين، فمنهم من يريد الإصلاح لوجه الإصلاح ومنهم من يريده لأسباب سياسية.فقادة كالملك عبدالله بن عبدالعزيز، والملك حمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة من القادة الذين يريدون الإصلاح لوجه الإصلاح، والشيخ خليفة يدرك الجهد الذي يبذله ولي عهده محمد بن زايد.
ومن يرد الإصلاح لوجه الإصلاح، فإنه يفكر في الإنجازات، التي يمكن أن تنعم بها الشعوب، لأن الشعوب وأجيالها في النهاية هي التي ستتلقى نتائج الإصلاح، ولكن الإصلاح أصبح هذه الأيام العملة الرائجة خليجياً، ومن ينكره أو يتخلَّ عنه، فإنما ينكر نفسه. صحيح أن هناك جهات "متحفظة" حيال الإصلاح؛ لأنها تجد فيه ما يمسها أو يمس تفكيرها، أو ماضيها الذي بنى فيه الأوطان من خلال "اعتدالها أو واقعيتها".وقد أسهمت فكرة "الاتحاد" في جمع الصفوف ولمّ الشمل فيما يتعلق بالإصلاح، فالجميع "وحدويون" ولا شك في ذلك، ويمكن تلمس أدلة ذلك الواضحة في مواقف الشيخ خليفة بن سلمان رئيس وزراء البحرين، فمن يراجع تصريحاته يجده "إصلاحياً"، ولا تمر مناسبة دون أن يشيد بـ"إصلاحية" الملك حمد بن عيسى، رغم تحفظاته السابقة ينطبق ذلك على الكثيرين في الخليج.فقد التزم السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان الخط "الإصلاحي" رغم أن السلطنة كانت تتحفظ تجاه أي "تغيير"، وبلا شك فإن خطة "التنمية" التي حققها السلطان في عمان قد خلقت أجيالاً واعية تتحسس حقوقها، فأصبح السلطان يستجيب لمطالبها المعقولة.وفي قطر أثبت الأمير السابق حمد بن خليفة أن "الانقلاب" الذي قام به ضد والده، لم يكن بقصد "الانقلاب" إنما كان القصد، إصلاح البلد، وجاء تنازله لابنه تأكيداً لذلك، وخلق "الحكم الجديد" في قطر جواً من الانتعاش، ليس في قطر وحدها إنما في الخليج كله. وقد ظلت دولة الكويت طوال هذه السنين، ومنذ الاستقلال، نموذجاً يحتذى، وهو نموذج أعطى الجميع، وكلهم منتجون للنفط، كيف يمكن تحويله إلى حضارة، وظلت الكويت ملجأ للإصلاح ولكل المصلحين، كما رسمت خطة للتنمية طبقتها في أنحاء الخليج والمناطق المحيطة بها.هكذا نجد أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي التي ستجتمع قريباً في الرياض بقمتها الاستثنائية، ونناقش فكرة "الاتحاد" التي طرحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قد مشت في طريق الإصلاح الذي يمكن أن يقرب فيما بينها، ولا فرق بين النوعين من القادة، فالذي يريد الإصلاح لوجه الإصلاح، والذي يريده لأسباب سياسية يتفقان جميعاً حول الإصلاح كواقع مهما كانت أسبابه. والنموذج الأوربي يمكن أن يحتذى، فكل دولة قد احتفظت بمؤسساتها، ولها سياستها الخاصة بها، لكنها ضمن "الوحدة الأوروبية". كيف أمكن تحقيق ذلك؟لقد أدركت الدول الأوروبية أمام التجمعات الكبرى في العالم أنها قبل كل شيء "أوروبية" ولا مندوحة لها عن ذلك، وعلى دول الخليج أن تدرك أنها خليجية، ورغم صغر حجمها فإنها إذا اتحدت تصبح قوة لا يستهان بها.لقد كانت منطقة الجزيزة العربية تعطي النماذج الوحدوية، رغم اختلافاتها القبلية، فقد وحّدها، بعبقريته اللافته، أولاً الملك عبدالعزيز ثم وحدها، بتسامحه وصبره، زايد بن سلطان آل نهيان ثم جاءت وحدة اليمن، شمالاً وجنوباً، لتصبح المثل الثالث... وعلينا أن نحتفظ بها ونحافظ عليها؛ لأن الوحدة لا تأتي هكذا... ولكنها ثمرة كفاح الشعوب.* أكاديمي ومفكر من البحرين