التطعيم... حياة ملؤها البركات

نشر في 01-05-2013
آخر تحديث 01-05-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت لا شك أن عالماً يكبر فيه أولادنا وأحفادنا يكون خالياً من تهديد شلل الأطفال وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها، لهو حلم يشترك فيه الجميع... لكن على عكس معظم الأحلام، فإن هذا الحلم سهل المنال ويمكن تحقيقه. وقد حالفني الحظ خلال سنوات عمري أن أشهد التأثير الكبير للقاحات والأمصال في حماية الأطفال من المرض والموت، خصوصا في العالم النامي.

لقد كان للقاحات دوماً معنى خاص لديّ، فعندما كنت طفلاً في جنوب إفريقيا شارفت على الموت من مرض شلل الأطفال، ففي تلك الفترة في أوائل الثلاثينيات لم يكن هناك أي لقاح لهذا المرض الشديد العدوى، وكان لدى الآباء في كل مكان الحق أن يشعروا بالخوف الشديد أن يصل فيروس شلل الأطفال إلى منازلهم- مثل الطاعون- ويصيب أحد أطفالهم ويسبب له خلال ساعات شللاً لا يمكن الشفاء منه، أو أن يقع الأمر الأسوأ وهو الموت خلال أيام.

لقد ذكر الأطباء لوالدي ووالدتي أنه ليس هناك ما يمكن القيام به في هذا الحالة، وعليه قام والدي بالتجهيز لجنازتي، ولحسن الحظ فلقد شفيت باستثناء تضرر يدي اليمنى بالمرض، ولقد عشت حياة رائعة لكن الشلل في يدي يذكرني يومياً، لماذا يتعين علينا أن نسعى بصورة عاجلة إلى القضاء على شلل الأطفال والتحقق من أن الأطفال بإمكانهم الحصول على اللقاحات التي يحتاجونها.

قبل ربع قرن من الزمان كان شلل الأطفال منتشراً في 125 بلداً حيث تسبب في إصابة أكثر من ألف طفل يومياً بالشلل، واليوم لدينا حالات شلل أطفال أقل في عدد بلدان يقل كثيراً عما كامن في الماضي. في العام الماضي، تم الإعلان أن الهند- التي كان يعتقد في الماضي أنها أصعب مكان في العالم بوسعه مواجهة شلل الأطفال- قد أصبحت خالية من شلل الأطفال.

 أما البلدان الثلاثة المتبقية التي لم يتم فيها القضاء على شلل الأطفال بعد- باكستان وأفغانستان ونيجيريا- فقد تم الابلاغ عن 223 حالة فقط سنة 2012، تلك الإنجازات تجعلني أشعر بالتفاؤل أنني قد أعيش لأرى اليوم الذي يتم فيه القضاء على هذا المرض المخيف للأبد.

إن هذا التقدم الرائع الذي قمنا بتحقيقه حتى الآن هو نتيجة للجهود الدولية المستدامة والدعم المتمثل بتوفير إمكانات مهمة قدمتها جهات متبرعة، ودول متضررة، وملايين من العاملين في مجال الرعاية الصحية المتفانين في عملهم، بالإضافة إلى الإرادة السياسية المستمرة من أجل إنجاز العمل، لكن يجب علينا إكمال ما بدأناه، فلن تكون هناك دولة في العالم بأمان من الإصابة بالمرض مجدداً ما لم يتم القضاء على فيروس شلل الأطفال في كل بقعة على الأرض.

يجب علينا في الوقت نفسه العمل على الاستفادة القصوى من التقدم العلمي الذي تم إحرازه في السنوات الخمسين الماضية، الذي جعل من اللقاحات المخصصة لمواجهة أمراض أخرى يمكن الوقاية منها، من أكثر الاستثمارات الحالية في مجال الرعاية الصحية قوة وتوفيراً للأموال. فاللقاحات ليست باهظة الثمن وسهلة التوصيل وتحمي الأطفال طيلة حياتهم، ولقد تمكنت اللقاحات والأمصال من القضاء على الجدري، وقامت بشكل دراماتيكي بتخفيض وفيات الأطفال ومعدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحصبة والدفتيريا ومرض تشنج العضلات والرقبة (الكزاز).

لكن للأسف هناك طفل يموت كل 20 ثانية بسبب أمراض مثل الالتهاب الرئوي، التي يمكن الوقاية منها عن طريق اللقاحات، ومعظم هؤلاء يعيشون في مجتمعات فقيرة ونائية لا تزال تفتقر إلى قدرات الحصول على اللقاحات الأساسية والمتوافرة بشكل عام في البلدان الأكثر ثراءً. ولعل ذلك هو السبب وراء أن احتمال وفاة الطفل المولود في بلد ذي دخل مرتفع قبل وصوله الخامسة من عمره هي أقل بثماني عشرة مرة من الطفل المولود في البلد ذي الدخل المحدود.

لحسن الحظ فإن العالم قام قبل أيام بمبادرة فعالة في العاصمة الإماراتية أبو ظبي التي استضافت تحت رعاية محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، وبمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والملياردير الأميركي بيل غيتس، أول قمة عالمية مخصصة للتأكيد على حق الأطفال في كل مكان في الحصول على اللقاحات والتطعيمات والاستفادة من كل ما تقدمه من فوائد.

استندت قمة أبوظبي للقاحات والتطعيم إلى تعهدات واتفاقات دولية شارك فيها ما يقرب من 200 بلد في العام الماضي، لتحقيق هدف القضاء على مرض شلل الأطفال وتطوير لقاحات جديدة ومحسنة بأسعار في متناول الجميع، على أن تصل إلى كل أطفال العالم بحلول سنة 2020.

سيكون القضاء على مرض شلل الأطفال من الإنجازات المهمة على طريق تحقيق هذه الرؤية، ولقد عرضت قمة أبو ظبي خطة واضحة لتحقيق ذلك بحلول عام 2018 من خلال استراتيجية مكملة للجهود السابقة من أجل رفع مستويات التحصين والتطعيمات لأمراض مثل الحصبة والالتهاب الرئوي وفيروس الروتا (المسبب للإسهال الشديد لدى الأطفال). وبالطبع فإن تدعيم التطعيمات الروتينية سيحمي مكاسبنا التي تحققت ضد شلل الأطفال، كما سيمكننا من الوصول إلى أكثر الأطفال عرضة للإصابة في المجتمعات المحرومة التي يصعب في العادة الوصول إليها.

لقد نشأت في بلد كان هناك طفل يلقى حتفه بسبب مرض شلل الأطفال من بين كل أربعة أطفال مصابين، لهذا، فإني أشعر بسعادة غامرة عندما أتخيل عالماً تستطيع فيه جميع العائلات الحصول على هذه اللقاحات التي يمكن أن تنقذ حياة الناس وتحررهم من عبء المرض والوفاة اللذين كان يمكن تجنبهما... والآن نحن بحاجة إلى الاموال والالتزام والتصميم على تنفيذ الخطة التي عرضت في قمة أبوظبي.

عندما يتعلق الأمر بحياة أطفالنا يجب ألا يكون هناك فرق بين الغني والفقير ولا فرق بين بعض المجتمعات عن بعضها، وإن مواصلة جهود القضاء على شلل الأطفال عن طريق توسيع نطاق التطعيمات واللقاحات ليتمكن جميع الأطفال المحتاجين إليها من الحصول عليها، لهو بمنزلة فرصة لنا جميعاً من أجل التعاون والتعاضد سوياً نيابة عن مجتمعنا الدولي... يجب علينا المضي قدما من أجل تحقيق ذلك وعندما ننجح سيشكل ذلك انتصاراً للإنسانية.

* ديزموند توتو، كبير الأساقفة الفخري لكيب تاون في دولة جنوب إفريقيا، وحائز جائزة نوبل.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top