قضت محكمة الجنايات أمس برئاسة المستشار يوسف اللحدان وعضوية القاضيين محمد جعفر ومحمد بهمن ببراءة المغرد فارس البلهان من تهم المساس بذات الأمير، على خلفية عدة تغريدات قام بكتابتها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بحق سمو الأمير.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها الذي تنفرد «الجريدة» بنشره بعد صدوره أمس من المحكمة أن المتهم فارس أوضح أن مطالبته بتغيير رئيس منتخب يقصد بها رئيس مجلس وزراء منتخبا وحكومة منتخبة تندرج ضمن حرية الفكر التي نص عليها الدستور ولا تعد مجرمة.وأضافت المحكمة في حكمها أنها ترى أن ما صدر عن المتهم فارس بكتابته لتغريدة بالمطالبة بتغيير الأمير بحاكم منتخب هي نقله لتغريدة لمغرد بحريني قام بمسحها فيما بعد وأوضح قصده لاحقا وهي زلة قام بإزالتها.وكانت النيابة العامة قد وجهت للمغرد البلهان تهمة الطعن علنا في حقوق الأمير وسلطته، وبأنه عاب في الذات الأميرية، وتطاول على مسند الإمارة، وكان ذلك عن طريق الكتابة بأن نشر التغريدة موضوع التحقيق – من خلال حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) على شبكة المعلومات الدولية – باستخدام هاتف نقال، وقصد بها سمو أمير البلاد بالألفاظ والعبارة الواردة بالتحقيقات والتي من شأنها المساس بأمير البلاد على النحو المبين بالتحقيقات، وبأن المتهم أساء عمدا استعمال إحدى وسائل المواصلات الهاتفية – من خلال حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) على شبكة المعلومات الدولية – باستخدام هاتف نقال، وذلك عن طريق كتابة التغريدة موضوع التحقيق المشار إليها في موضوع التهمة الأولى على النحو المبين بالتحقيقات.تحريات ضابط الواقعةوقالت النيابة ان تحريات ضابط الواقعة دلت على أن المتهم قام بكتابة التغريدات المسيئة للامير في حسابه وأن المتهم أقر بأن الحساب الذي صدرت منه التغريدات هو حسابه، وقال الضابط بأن المتهم قام بنشر تغريدة – من خلال حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) – نصها «لا نريد أميرًا نريد رئيسًا منتخبًا»، وأن هذه التغريدة فيها تعد على منصب أمير البلاد ونظام الإمارة، وتمثل مساسًا وتقليلاً من قدره على نحو يؤثر على هيبة الدولة وسمعتها، وأضاف بأن المتهم قصد أن يوصل رسالةً علنية بأن حكم البلاد من قبل رئيس منتخب أفضل من حكم الأمير، وأنه دائم الاعتراض – من خلال تغريداته – على الإجراءات التي يتخذها الأمير.إنكار وتوضيحوأنكر المتهم التهمة المنسوبة إليه وقرر بانه لم يقصد المساس بالذات الأميرية، وفوجئ بعبارة «لا نريد أميرًا نريد رئيسًا منتخبًا» التي تختلف تمامًا عن قصده وهو المطالبة برئيس وزراء منتخب وحكومة منتخبة، وأضاف بأنه قام فورًا بتوضيح الخطأ غير المقصود الذي وقع فيه والاعتذار عنه مع مسح هذه التغريدة من حسابه، وانتهى إلى أنه يعلم بأن أمير البلاد ذاته مصونة طبقًا للدستور والقانون، وأنه يحرص في تغريداته على نقد الأوضاع السياسية في البلاد دون التعرض للأمير.وقالت المحكمة في حيثيات حكمها بأنها تشير إلى أن المادة (40) من قانون الجزاء تنص على أنه «إذا لم يقض القانون صراحةً بالعقاب على الفعل لمجرد اقترانه بالخطأ غير العمدي، فلا عقاب عليه إلا إذا توافر القصد الجنائي لدى مرتكبه»، كما ان المادة (41) من ذات القانون تنص على أنه «يُعد القصد الجنائي متوافرًا إذا ثبت اتجاه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة، وإلى إحداث النتيجة التي يعاقب القانون عليها في هذه الجريمة».وحيث إن المادة (25) من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء تنص على أن «يُعاقب بالحبس مدةً لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن – علنًا أو في مكان عام أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر – في حقوق الأمير وسلطته، أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة».وحيث إنه من المقرر أن الجريمة الواردة في هذا النص من الجرائم العمدية التي تتطلب ضرورة توافر القصد الجنائي العام لدى مرتكبها، وبالتالي لابد من قيام عنصري العلم والإرادة فيها، وذلك بأن يعلم الجاني بإتيانه أحد الأفعال المجرمة المتمثلة في الطعن في حقوق الأمير وسلطته أو العيب في ذاته أو التطاول على مسند الإمارة، وأن يعلم كذلك بعنصر العلانية الذي تطلبه القانون، وأن تتجه إرادته إلى تحقيق ذلك الطعن أو العيب أو التطاول العلني.كما إنه من المقرر أن القصد الجنائي نية بالنسبة للسلوك ووعي بالنسبة للملابسات المحيطة بالسلوك ذاته واللازمة في سبيل تكوين الجريمة، فإذا تخلفت تلك النية أو هذا الوعي ينتفي القصد الجنائي.وحيث إن أحكام القضاء الجزائي متواترة على أن القول بتوافر القصد الجنائي أو عدم توافره من الأمور التي تستقل بها محكمة الموضوع وتستخلصه من ظروف الدعوى وعناصرها المطروحة على بساط البحث طالما أنها تقيم قضاءها في ذلك على ما ينتجه.اطمئنان المحكمةوقالت المحكمة انها وبعدما أحاطت بواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة وألمت بأدلتها ثبوتًا ونفيًا – تطمئن إلى صحة دفاع المتهم القائم على خطئه في عبارة التغريدة موضوع الاتهام بسبب قيامه بنقلها ونشرها على عجالة، وهو ما أدى إلى ظهورها بصورة يُفهم منها بأنه يطالب بتبديل أمير البلاد، في حين أن حقيقة ما قصده هو المطالبة برئيس وزراء منتخب وحكومة منتخبة والتي تندرج تحت حرية الفكر وإبداء الرأي بما في ذلك الآراء السياسية، فبالرجوع إلى تسلسل التغريدات الثابتة في الأوراق يتضح أن المتهم نشر التغريدة موضوع الاتهام في الساعة (7:28) مساءً ونصها «لا نريد أميرًا نريد رئيسًا منتخبًا»، ثم أعقبها بتغريدة في الساعة (7:45) مساءً قال فيها ردًا على الناس الذين هاجموه «شكو الأمير بالموضوع؟ كل ما تكلمنا دخلتوا الأمير، والله عيب، قاعد أتكلم عن رئيس منتخب»، ثم أعقبها بتغريدة في الساعة (7:54) مساءً قال فيها «فهمناهم بكل الطرق مو راضين يفهمون، ما نبي شيخ نبي رئيس منتخب، على طول قالوا احترم الأمير، ما أدري ليش يدخلون الأمير في الموضوع؟»، ثم تلتها تغريدة في الساعة (8:06) مساءً ذكر فيها ردًا على شخص يُدعى أحمد «أخ أحمد، مع احترامي للكل، المطالبة برئيس منتخب ما أعتقد فيها زاوية ضيقة لأنها مطلب شرعي»، ثم تلتها تغريدة في الساعة (8:40) مساءً ذكر فيها موضحًا الخطأ غير المقصود الذي وقع فيه «هذه التغريدة الأصلية من شخص في البحرين، ورتوت عليها، وكنت بغيرها من أمير إلى شيخ، نزلتها بالخطأ وبعدها تم تعديلها»، الأمر الذي تخلص معه المحكمة إلى أن المتهم لم يكن يقصد الطعن في حقوق الأمير وسلطته أو العيب في ذاته أو التطاول على مسند الإمارة، وأن التغريدة موضوع الاتهام لا تعدو كونها زلةً سرعان ما تنبه إليها المتهم وقام بتصحيحها، ومن ثم ينهار الركن المعنوي للجريمة مما يتعين معه القضاء ببراءته من الجريمتين المسندتين إليه – باعتبار أن الجريمة الثانية تدور وجودًا وعدمًا من الجريمة الأولى – عملاً بنص المادة (172/1) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.
محليات
«الجنايات»: المطالبة برئيس وزراء وحكومة منتخبين تندرج ضمن حرية الفكر وليست مجرّمة
13-03-2013