أعطنا كتاباً لنقرأ

نشر في 10-02-2013
آخر تحديث 10-02-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري لقراءة الشعر تحتاج إلى قلب شاعر وذهن ناقد يعرف طريق الكلمات إلى العقل أولاً لا إلى القلب، لقراءة الشعر آخر ما تحتاج إليه هو العين المجردة التي تبصر كل شيء مجرداً من كل شيء. في الشعر الحديث، على وجه الخصوص، لا تأخذ الكلمات التي شكلت السطر الشعري أبعادها المرهونة لها، وصورها الدالة عليها بمباشرة مقيتة، لكنها -هذه الكلمات- تنجح في تأطير حياة صغيرة بكل أبعادها وتفاصيلها الصغيرة وحزنها العميق كرسالة الغريب إلى الغريب.

في ديوان صغير لا يتجاوز سبعين صفحة يرصد الشاعر مهاب نصر تجربة حياة تبدو صغيرة في دقائق تفاصيلها، ولكنها حياة صعبة وقاسية ترتبط مصائر الشاعر فيها بمصائر الآخرين، الذي فشل في أن يتقاسم معهم سذاجتها كما ينبغي. منذ أن رسمها في قصيدة لم يبدأ بها ديوانه للأسف وتركها في منتصفه دون سبب منطقي وهو يوزع قصائده القليلة في الديوان. في قصيدة أمي يبدأ مهاب نصر مشروع حياته الإجباري الذي يقوده مترنحاً بين الطفولة الشقية إلى الزواج المباغت إلى الغربة المتشابهة لتجارب كثيرة حوله بحثاً عن ذاته.

مكان قدمها الغليظة/ كان عكازها/ ومكان عكازها/ كانت روحها تضرب الأرض/ في الغرفة المجاورة/ تاركة حفرا صغيرة/ هي ما أسميه حياتي

هذا التكون الذي يقدمه الشاعر لمشروع الحياة الأول كبداية للفتى الذي "حينما أراد أن يضرب/ جاءت ضربته خارج الطاولة/ فاهتز توازنه/ وسقطت حياته كلها في اليأس". قاده بؤسه القدري أن يكون مولعا بالكتب والكلمات ودخان السجائر وكأنه يخسر عقله ورئتيه، ويضيق الهواء ذرعا بتنفسه كما يجب. يعيش تجاربه الغريبة دون أن يشير إليها بفج الكلام المباشر والتصوير البليد الذي مارسه الشعر العربي لفترات طويلة حتى انتفض أخيراً على يد مجموعة من شعراء الحداثة يبحثون عن قارئ نوعي في مقابل من استسهلوا كتابة قصيدة النثر، وتوهموا أن الأمر ليس سوى خواطر البدايات.

بدأت غربة الشاعر بحثاً عن حياة جديدة في مكان آخر بعيداً عن حفر صغيرة في أرض عكاز والدته. "كانت موجة مفاجأة/ تتجمع أسفل رئتيه/ وتلقي بجسده إلى الوراء/ هكذا رأى نفسه وهو يسقط /مثل كومة ثياب/ في طريقها إلى المغسلة". هل هي حقاً في طريقها إلى المغسلة؟ ربما كانت إجابة القارئ مغايرة تماماً لما اعتقده الشاعر، وربما كان الشاعر أكثر تهكماً مما يظن القارئ. ففي كل نص هناك توجس مخيف للعزلة التي فرضها المكان ليضيق بصاحبه ويوكله أبداً إلى جدران غرفة هي سريره ومكتبته وجسد زوجته ومنفضة سجائره، هي عالمه بأكمله بعيداً عن الآخر الذي يتناوله كأنه خصمه في الحياة.

جميلة تجربة مهاب نصر، وحامضة مكثفة كشراب ثقيل تتناوله دفعة واحدة "في صحة مانولي" لتنسى الماضي الذي رهنته وراءك كفراغ في كم الذراع المقطوعة (الصورة للشاعر). لا أقول إنها تجربة كاملة ولكنها ناضجة، ومهاب نصر من شعراء التسعينيات أصدر ديوانه الأول عام 1997، وعمله الحالي هو الثاني له، وربما لم يحسن اختيار عنوانه كما نفعل جميعاً أحياناً.

back to top