"وقود الأمس"... عنوان رئيسي جاء على غلاف عدد أغسطس لمجلة الإيكونومست، وتحته صورة لديناصور يحمل مضخة الوقود... وهي صورة رمزية تعني أن عصر النفط قد شارف على الأفول... وقد حللت المقالة تلك التنبؤات بسرد أسباب انخفاض الطلب على النفط في المستقبل القريب... وقالت إنه خبر سيئ للمنتجين ورائع للآخرين... وجاء في المقالة أنه رغم تنبؤات البعض بأن الطلب على النفط سيظل في ازدياد فإنهم يعتقدون عكس ذلك بسبب الاكتشافات الجديدة للمصادر البديلة للطاقة. هذا إضافة لما يجري من عمليات التطوير الكبيرة في تكنولوجيا وسائل النقل، الأمر الذي سيحدث تحولاً كبيراً في معدلات الطلب على النفط، ما سيفقده هيمنته وسيطرته على سوق الطاقة، لاسيما أن أوروبا وأميركا والاقتصادات الصاعدة كالصين والهند تتبنى سياسات بيئية حازمة لخفض استخدامات الوقود... هذا ملخص ما جاء في المقالة.
كما تشير بعض التقارير الصحافية إلى بدء الاتحاد الأوروبي تنفيذ استراتيجية وضعها لعام 2020، بحيث تبدأ دوله بالتحول بنسبة كبيرة لاستخدام مصادر بديلة للطاقة... وتشير تقارير أخرى إلى أن الإنتاج النفطي العالمي يبلغ ذروته بين أعوام 2010 و2020، ثم سيبدأ بعد ذلك بالتراجع والهبوط. وإذا أصبح النفط "وقود الأمس" فكيف سيصبح مستقبل الدول التي يشكل النفط عصب حياتها، وما مصيرها وسط تحولات الاقتصاد العالمي والتغيرات الجيوسياسية في المنطقة وتياراتها الجارفة؟ تحديات كبرى تنتظر هذه المجتمعات التي يحمي النفط، وهو عمودها الفقري، هيكلها الهش من الانهيار، لكن ماذا لو أصاب هذا العمود الفقري الوهن والهرم؟ كيف ستحافظ على مستوى الإنفاق الحكومي لاسيما أن اقتصادها يفتقد قاعدة إنتاجية حقيقية وتنمية بشرية مستدامة؟ والتحدي الأكبر هو إهمالها لعلم المستقبليات، وعدم سعيها إلى قراءة المستقبل بشكل موضوعي علمي تضع من خلاله حلولاً استراتيجية للسيناريوهات المختلفة، فسياساتها المتخبطة ترتهن لأسعار النفط، وتنكر المؤشرات، وتستهين بالاستكشافات والتطورات التي تجري على قدم وساق، بينما يعيش حكام الخليج ووعاظهم في عصور الطوائف والممالك الذين صحوا على كوارث لم يحسبوا لها حساباً. وبينما يتغير العالم بشكل سريع، بسبب الثورة المعرفية والتكنولوجية، والبحث عن مصادر جديدة للطاقة، تتخلف دول الخليج وتتصدى لدعوات الإصلاحات البنيوية في هياكلها السياسية والتنموية والاجتماعية، بل وتعتمد أكثر على النفط لشراء ولاء "رعاياها"، لتصبح "لعنة النفط"، كما يجري تسميتها، عائقاً أمام الإصلاحات التنموية والديمقراطية... فكانت السبب في تعزيز سلطوية أنظمتها وتصديها لضغوطات التحول الديمقراطي... وقد تجنبت النرويج، التي تعتبر أكبر منتج للنفط في أوروبا، الوقوع في هذا الفخ، لأن المؤسسات هي التي تحكمها، وليس أسرة تحتكر السلطة وتستخدمها لتعزيز سلطويتها باسم السياسات السيادية. وقد فرضت النرويج رقابة صارمة على سياسات الإنفاق من ريع النفط، إذ يستثمر الريع بشكل مستقل عن الاستهلاك المحلي، فلا يستقطع من صندوق النفط سنوياً إلا 4% لدعم ميزانيتها، بينما يستثمر الباقي للأجيال القادمة، الأمر الذي جنب اقتصادها الاعتماد على مورد مرتهن لتقلبات أسعار النفط والتحولات الاقتصادية العالمية، فعملت على خلق اقتصاد منتج وتنمية بشرية مستدامة. أما "لعنة النفط" في الدول الخليجية فتحمل بذور فنائها في أحشائها ما لم تقم بإصلاحات جذرية تمكنها من مواجهة التحديات المتفاقمة والمخاطر التي تقترب منها أكثر فأكثر... فقد تسبب الاقتصاد الريعي في تآكل المجتمعات التي ينخرها الفساد، وعمل على تعزيز أجهزتها الأمنية على حساب مؤسساتها المدنية، وكرس ثقافة الاستهلاك والاتكالية واللامبالاة، وعزز قيم الزبونية في توزيع الثروة على أساس الولاء على حساب الكفاءة والإنتاجية. *** الحل الأمني الذي فجر العنف الدموي في مصر المحروسة يجر البلاد إلى منزلق خطير... ولا حل إلا بالدعوة إلى الانتخابات والتحول إلى الحكم المدني الديمقراطي... وإذا لم تعِ الشعوب العربية أن الديمقراطية والحرية لا يمكن أن يأتي بهما حكم العسكر أو حكم رجال الدين... فطريق النهضة والتنوير والثورة الفكرية الحقيقية طويل جداً. لك يا مصر السلامة.
أخر كلام
«وقود الأمس»... ومستقبل الخليج العربي
16-08-2013