ألا يبعث على الاستغراب والضحك أن ترفض روسيا، على لسان المتحدث باسم خارجيتها ألكسندر لوكاشيفيتش، التدخل "الأجنبي" في الأزمة السورية، بينما لها على أرض هذا البلد قواعد بحرية في ميناء طرطوس، ولديها خبراء عسكريون يعملون في صفوف جيش النظام السوري تقدر أعدادهم بعشرات الألوف، وكل هذا بينما تنقل الطائرات الروسية على نحو متواصل منذ بداية الأزمة عشرات الأطنان من الذخائر والأسلحة والصواريخ التي يتم بواسطتها ذبح أبناء الشعب السوري، وقتل أطفاله وتدمير مدنه وقراه وتهجيره بمئات الألوف إلى الدول المجاورة.

Ad

"إذا لم تستحِ فافعل ما شئت". وهل تعتبر روسيا، التي تقول إنها ترفض التدخل الأجنبي في الشؤون السورية، وهي في الوقت نفسه تقوم بهذا كله، نفسها أنها ليست دولة أجنبية وتعتبر أنه يحق لها ما لا يحق لغيرها حتى بالنسبة إلى الدول العربية القريبة والبعيدة وحتى بالنسبة إلى الدول المجاورة كتركيا على سبيل المثال...؟!

إن روسيا تعرف أن أكبر وأخطر تدَخل أجنبي، عسكري وسياسي، في الشؤون السورية الداخلية هو التدخل الإيراني السافر الذي لا ينكره الإيرانيون أنفسهم، بل إنهم "يتباهون" به على رؤوس الأشهاد انطلاقاً من أنهم يعتبرون أن النظام السوري هو نظامهم، وهذا ما قاله مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي مرات عدة، وقاله أيضاً ومراراً قائد فيلق القدس التابع لحراس الثورة الجنرال قاسم سليماني.

على مدى عامين وأكثر بقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ولايزال ينطق باسم الخارجية السورية وباسم بشار الأسد ونظامه أيضاً، وبقيت روسيا هذه، التي ترفض التدخل الأجنبي في الشؤون السورية، تحُول دون قيام مجلس الأمن الدولي بدوره المفترض وتمنعه بواسطة حق النقض "الفيتو" من اتخاذ أي قرار لوقف هذه المجازر والمذابح التي يتعرض لها السوريون، الذين وصلت أعداد ضحاياهم إلى أرقام فلكية.

ويقيناً، وهذا بات واضحاً ومعروفاً ولا يحتاج إلى أي أدلة، أنه لولا هذا التدخل الروسي السافر فعلاً لما بقي بشار الأسد يرفض أي حل سياسي لهذه الأزمة، التي حولها موقف روسيا المدان، الذي سيحاسبها التاريخ عليه إلى صراع إقليمي ودولي قد يمتد إلى عشرات الأعوام، ولما بَقيَ يتشبث بالحكم فوق أجساد وجماجم أبناء شعبه بكل هذا الاستهتار، ولَفعَل ما فعله زين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح، ولما أوصل سورية إلى هذا الذي وصلت إليه.

وبهذا، فإن أرواح عشرات الألوف خصوصاً من الأطفال الذين ذبحهم بشار الأسد بالسلاح والقنابل والصواريخ الروسية ستبقى تلاحق فلاديمير بوتين ونظامه إلى يوم القيامة، وسيأتي ذلك اليوم الذي ستتفجر في وجه روسيا كل الجمهوريات والكيانات الإسلامية التي كانت ذات يوم جزءاً من الاتحاد السوفياتي الذي نكتشف الآن كم كان عظيماً بعدما رأينا أفعال ورثته الذين يتعاملون مع القضايا الدولية كـ"سماسرة" وبطريقة الـ"بيزنس"!

وهنا فإن المستغرب أن يبقى الشعب الروسي العظيم صامتاً إزاء ما يرتكبه هذا النظام من مشاركة فعلية في المذابح التي ترتكب في سورية، وإزاء السياسات التي يرتكبها لافروف في المحافل الدولية ووقوفه إلى جانب القاتل ضد الضحية، وإلى جانب نظام عائلي استبدادي ضد شعب مسالم، كل ذنبه أنه طالب بالإصلاح والحرية والديمقراطية.