سواء تمَّت الضربة العسكرية المرتقبة أم لم تتم، فإنه للحؤول دون أنْ تدب الفوضى في هذه المنطقة كلها، ودون أنْ تتمدد إيران في الشرق الأوسط، فإنه لابد من تناسي التعارضات الثانوية، والتركيز على الخطر الداهم الأكبر، وإعادة صياغة المعادلة الإقليمية على أساس هذا الواقع المستجد، وعلى أساس أنَّ الذئب يستهدف الشاة "المُطْرفة" في القطيع المتناثر، وأيضاً على أساس أنه لابد من تأجيل كل هذه التعارضات الثانوية، وتوحيد المواقف لمواجهة التناقضات الرئيسية.

Ad

إذا لم تتم الضربة العسكرية المرتقبة، التي يجري الحديث عنها وباتت تشغل العالم بأسره، فإنه يجب عدم إضاعة أي لحظة واحدة لمواجهة الاندفاعة الإيرانية، ليست المحتملة، بل المؤكدة في عمق هذه المنطقة، ولمواجهة نظام بشار الأسد الذي تحوّل إلى ذئب جريح قد يلجأ، وهو سيلجأ حتماً، إلى التمادي في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري في الداخل، وأيضاً بدوافع ثأرية ضد بعض الدول المجاورة في الخارج، بالإضافة إلى استمرار "حزب الله" في تصفية حساباته اللبنانية، واستمرار طائفيي العراق في صياغة معادلة بلاد الرافدين، وفقاً لأطماع تمدد دولة الولي الفقيه على حساب الدول المجاورة والمحاددة.

وإذا تمت هذه الضربة، وهي ستتم بالتأكيد إن لمْ يثبت أن هناك خطأً في حسابات باراك أوباما وحلفائه في هذه المنطقة الملتهبة وفي العالم، فإن المتوقع أنْ تعقبها فوضى، وأن يعقبها عنف أهوج، وهذا إنْ لم تكن هناك مسارعة لتعبئة الفراغ بحكومة وحدةٍ وطنية انتقالية، ووفقاً لـ"جنيف 2" تأخذ سورية نحو الاستقرار، ونحو تثبيت الوحدة الوطنية، وتعدُّ لانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة وديمقراطية، بإشراف دوليٍّ حقيقي، تضع سورية على بداية طريق جديد غير الطريق الذي بدأت السير عليه في عام 1949 بعد انقلاب حسني الزعيم، الذي فتح أبواب هذا البلد العظيم لسلسلة الانقلابات العسكرية التي تلاحقت على مدى عشرين عاماً وأكثر.

الآن ورغم كل هذه التحديات التي تواجه الجميع فإنَّ هناك خللاً كبيراً لابد من المسارعة إلى إصلاحهِ، والمفترض أن يكون هناك اصطفاف جدي وفعلي مقابل هذا الاصطفاف الإيراني مع النظام السوري ومع طائفيي هذه المنطقة، وفي مقدمتهم "حزب الله" والمجموعات المذهبية العراقية، وهنا فإنَّ المعنيَّ مصر، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، ومع هذه الدول الكبرى الثلاث الأردن، ودولة الإمارات، ومملكة البحرين، والكويت، ومن يرغب منْ باقي دول مجلس التعاون الخليجي، ومن يرغب أيضاً من دول المغرب العربي، خصوصاً المملكة المغربية.

لا يجوز على الإطلاق، ما دامت هذه المنطقة مقبلة على استحقاقات كثيرة خطيرة، أنْ يبقى كلُّ هذا الخلاف الطارئ بين مصر، التي هي الجدار الاستنادي لهذه المنطقة، وبين تركيا التي ثبت بعد أكثر من ثمانين عاماً أن عمقها هو هذا البعد العربي في اتجاه الجنوب لا البعد الأوروبي في اتجاه الغرب، وأن عليها أن تدرك أنه من غير الممكن إلا أن يبقى الإيرانيون ينظرون إليها على خلفية طائفية مقيتة، وعلى أنهم صفويو هذا العصر، وعلى أنها، رغم علمانيتها، دولة الخلافة العثمانية.

إنه على رجب طيب أردوغان أنْ يدرك أن المنطقة العربية رحّبت به كفاتح جديد على غرار محمد الفاتح، ليس لأنه المرشد الأعلى الفعلي للإخوان المسلمين، ولا لأنه من تلامذة يوسف القرضاوي النجباء، بل لأنه استدار بتركيا نحو اتجاهها الصحيح، وهو هذا الاتجاه، ولأنه أنهى عداءً مفتعلاً استمر منذ الحرب العالمية الأولى إلى ما قبل سنوات قليلة، ولهذا فإن ما أظهره من عداءٍ نزِقٍ ضد الحركة "التصحيحية" الأخيرة في مصر من المفترض أن ينتهي بسرعة، خصوصاً أن الإخوان المسلمين المصريين اعترفوا بأخطائهم، وطلبوا السماح والمغفرة من الشعب المصري، وأن المستجدات تشكل تحديات فعلية لكل أهل هذه المنطقة من عرب وأتراك وغيرهم!.