أهلها يطالبون بالعودة إلى أرض الأجداد ومخاوف متزايدة من دعوات الانفصال

Ad

داخل أحد المقاهي الشعبية، في حي بولاق الدكرور، غربي القاهرة، جلس الشاب النوبي صلاح (27 عاماً)، يتجاذب أطراف الحديث مع قريبه زكريا (24 عاماً)، وبينما تحصد برامج "التوك شو" انتباه مرتادي المقهى، لمتابعة آراء المحللين والخبراء عن مشروع سد "النهضة" الإثيوبي، وتحويل مجرى النيل الأزرق، قال صلاح لرفيقه بلكنة نوبية مطعمة بعامية قاهرية، "هي إيه حكاية النيل مع شهر مايو؟!... إثيوبيا تحول مجرى النيل الأزرق لبناء سد النهضة في مايو، ومن 49 سنة مصر حولت مجرى النيل لبناء السد العالي في الشهر ذاته".

نصف قرن إلا قليلاً، منذ غرقت القرية القديمة التي سكنها أجداد صلاح النوبي، وتحديداً في 15 مايو 1964، وسط ملحمة بناء السد العالي، بعد شق قناة التحويل وقطع النهر بمواد السد الركامي العملاق، ولايزال حلم إعادة التوطين في قرى مشابهة لطبيعة النوبة القديمة، يشغل بال النوبيين، البالغ تعدادهم ما يقرب من 3 ملايين شخص، بحسب إحصائيات نشطاء نوبيين.

الاهتمام بمنابع النيل، يعمق شعور أهالي النوبة بالوحدة، في مواجهة تجاهل العاصمة البعيدة القاهرة لهم، ضحك القدر للنوبة مع ثورة 25 يناير 2011، عندما جاء المجلس العسكري بقيادة وزير الدفاع السابق، المشير حسين طنطاوي، إلى رأس الحكم، وهو الرجل ذو الأصول النوبية التي طالما فخر بها أبناء النوبة، إلا أنها سرعان ما توارت عن الأنظار، بعد ارتفاع درجة الاحتقان الشعبي ضد سلطة المجلس العسكري، بينما لم تبرح أحلام النوبيين مخيلتهم.

مع توالي الأيام، تعلم النوبيون الصبر والصمت مع تجاهل الجالس على كرسي الحكم في مصر لمطالبهم المشروعة، لذلك عندما وقف الرئيس محمد مرسي، عندما كان مرشحاً رئاسياً، بين أبناء النوبة العام الماضي، قائلاً: "الشعب المصري ظُلم كثيراً وأهل النوبة أول من سيعود لهم حقوقهم، والنوبة حاضرة في مشروع النهضة"، وبعد مرور عام على كلمات مرسي الانتخابية، يلخص رئيس لجنة المتابعة النوبية في القاهرة، الحاج، أحمد إسحاق، موقف النوبيين من تصريحات مرسي بالمثل الشعبي المصري: "أسمع كلامك أصدقك... أشوف (أرى) أمورك أستعجب".

ويضيف إسحاق، 74 عاماً: "لم نأخذ إلا كلاماً معسولاً من مرسي والإخوان".

ويستكمل الرجل: "النوبة تسببت معاناتها في إضافة مليوني فدان إلى الرقعة الزراعية لمصر بعد بناء السد العالي، إلا أن أبناء النوبة الذين هجروا من أرضهم لم يحصلوا على حقوقهم"، ويقارن إسحاق، بما حدث لأهالي محافظات القناة (السويس وبورسعيد والإسماعيلية) عندما هجروا من منازلهم إبان العدوان الثلاثي على مصر 1956، وكيف أعادتهم الدولة إلى ديارهم.

ويلفت إسحاق إلى أن استمرار التجاهل الرسمي لمطالب النوبيين، سيترتب عليه "ما لا تحمد عقباه"، خاصة في ظل وجود جيل من الشباب المندفعين، في إشارة إلى مطالب نوبية بالتهديد بالانفصال عن مصر.