حتى الصين تظن أن كوريا الشمالية مجنونة
يُعتبر الدكتاتور الشاب رئيس كوريا الشمالية هدفاً شائعاً للسخرية بين مستخدمي موقع «سينا ويبو» الصيني الشهير الذين يدعونه «كيم الثالث السمين» و«المراهق العاق»، فضلاً عن تعليقات أشد قسوة مثل «المريض نفسياً المجنون وغير المتزن».
يوم الجمعة الموافق 5 أبريل، حذّرت كوريا الشمالية بعض السفارات الأجنبية في بيونغ يانغ من أنها لا تستطيع ضمان أمن دبلوماسييها. ويوم الاثنين الماضي، علّقت العمل في مجمع كايسونغ، منطقة صناعية يديرها مناصفة طرفا شبه الجزيرة الكورية. ولكن لنعرف مدى عزلة كوريا الشمالية اليوم يكفي أن نتصفح مواقع الإنترنت الصينية. كتب ما دينغشنغ، صحافي بارز يُعنى بالشؤون العسكرية ويتتبعه على شبكة الإنترنت أكثر من 375 ألف شخص، في أحد تعليقاته على موقع Sina Weibo يوم الاثنين الماضي أن عائلة كيم "حشرت نفسها في الزاوية، وباتت محاطة بالأعداء". وأضاف دينغشنغ، مشيراً إلى انتقاد نادر وجه الرئيس الصين إلى كوريا الشمالية يوم الأحد: "هنا، تبذل الصين قصارى جهدها، محاولةً تمهيد الطريق أمام استئناف المحادثات السداسية. وهناك، تقصف بيونغ يانغ هذا الطريق بسلاح نووي. حتى صبر تشي غين بينغ نفد. فأنّب كوريا الشمالية على دفع المنطقة والعالم إلى الفوضى بغية تحقيق مكاسب أنانية".بدأت بكين، حليف بيونغ يانغ المهم الوحيد، تعرب عن ميلها إلى الابتعاد عن كوريا الشمالي. ويبدو أيضاً أن الجمهورية الصينية بدأت تتخلى عن تعاطفها مع بيونغ يانغ. فعلى موقع Sina Weibo، منصة بارزة للتواصل الاجتماعي في الصين، تتراوح ردود الفعل تجاه سلوك كيم يونغ أون العدائي بين السخرية والاستياء. يُعتبر هذا الديكتاتور الشاب هدفاً شائعاً للسخرية بين مستخدمي هذا الموقع الصيني، الذين يدعونه "كيم الثالث السمين" و"المراهق العاق"، فضلًا عن تعليقات أشد قسوة مثل "المريض نفسيًّا المجنون وغير المتزن".
يلوح التغيير في الأفق. لطالما جمعت المشاعر العامة الصينية تجاه كوريا الشمالية بين الاحتقار وعدم الثقة والتعاطف. صحيح أن ذكرى الحرب الكورية، التي قاتل فيها البلدان جنباً إلى جنب ضد الأميركيين، بدأت تضمحل، إلا أن بعض الصينيين ما زالوا يتعاطفون مع جارتهم البائسة التي يعتبرونها ضحية المجتمع الدولي. كذلك ما زال البعض يشبهون موقف كوريا الشمالية اليوم بما واجهته الصين خلال ستينيات القرن الماضي، حين أجرت أول اختبار نووي لها، ويعبرون عن إعجابهم بموقف بيونغ يانغ العنيد في وجه الولايات المتحدة. ذكرت أم غير عاملة في عقدها الخامس قالت إن اسمها وانغ في مقابلة يوم الاثنين في منتزه عام في ضاحية جامعة بكين: "تطوّر كوريا الشمالية أسلحة نووية لحماية نفسها، تماماً كما فعلت الصين من قبلها. وعلى الولايات المتحدة أن تهتم بشؤونها وتكف عن التدخل في شؤون دول أخرى".لكن وجهة النظر هذه لا تبدو شائعة، خصوصاً أن عدداً متزايداً من الصينيين يطالبون بموقف أكثر تشدداً من كوريا الشمالية. ورد في افتتاحية يوم الاثنين في صحيفة Global Times، التي تشتهر بمواقفها القومية: "يجب أن تفرض الصين العقوبات الضرورية على كوريا الشمالية لتعمّق وعيها لأهمية المساعدة الخارجية والمعنى الاستراتيجي للدعم الذي تتلقاه من الصين". ويشير كياو وي، محرر في المؤسسة العالمية للنشر في بكين: "تتبع الصين سياسات دعم كوريا الشمالية منذ سنوات كثيرة. رغم ذلك، تتصرف بيونغ يانغ على هواها". يجيد كياو اللغة الكورية، بعد أن أمضى سنة عام 2003 في دراسة هذه اللغة في جامعة كيم إيل سونغ في بيونغ يانغ. يضيف: "تعاملنا مع كوريا الشمالية بصبر كبير. وآن الأوان لنمارس عليها القليل من الضغط".لكن دينغ يوون، نائب سابق لمحرر مجلة الحزب الشيوعي Study Times، ذهب إلى أبعد من ذلك في مقالة تحليلية مثيرة للجدل نُشرت في Financial Times في أواخر شهر فبراير. فقد كتب: "يجب أن تتخلى بكين عن بيونغ يانغ وتسعى لتوحيد شبه الجزيرة الكورية". فقد أظهرت كوريا الشمالية أنها لم تعد منطقة عازلة فاعلة في وجه نفوذ الولايات المتحدة، على حد قول دنغ، ويجعلها سلوكها المتقلب عبئاً لا مكسباً على الأمد الطويل بالنسبة إلى الصين (منذ نشر المقال، أوقف دينغ عن العمل). يوضح بنسي تانغ (27 سنة)، موظف حكومي يعمل في وزارة النقل الصينية في بكين: "يقلقني احتمال نشوب حرب". يتحدر بنسي من داندونغ مدينة تعدّ نحو 2.5 مليون نسمة على الحدود الكورية الشمالية، وما زال والداه يعيشان هناك. يتابع موضحاً:"ما زال القائد الكوري الشمالي الجديد يافعاً ويبدو متهوراً جداً. لذلك من الصعب توقع ما قد يقدِم عليه".منذ شهر مارس الماضي، حين اشتدّت الاستفزازات الكورية الشمالية، خصصت وسائل الإعلام الصينية ساعات من البث كل يوم لتحليل تهديدات كيم الأخيرة. فعرضت محطة CCTV News، وهي جزء من شبكة البث الحكومية في الصين، برامج تتناول النشاطات قرب المواقع النووية في كوريا الشمالية وتفصّل مدى تطور أسلحتها العسكرية. لكن لهجتها العامة ازدادت تشاؤماً. ذكر دو ونلونغ، باحث بارز في أكاديمية العلوم العسكرية في جمهورية الصين الشعبية، في البرنامج الإخباري Global Watch: "تأمل كوريا الشمالية أن تبرهن للولايات المتحدة، اليابان، وكوريا الجنوبية أن كلفة المفاوضات والحرب ستكون عالية نظراً إلى قدراتها العسكرية. فإن تفاقمت المواجهات، فلن يكون أمام أي من الطرفَين أي مجال للتراجع، بل سيسقطان كلاهما في الهاوية".لا يعني ذلك أن كوريا الشمالية باتت الشغل الشاغل للمواطن الصيني العادي. فبين المواضيع الأكثر رواجاً على موقع Sina Weibo يوم الأربعاء، احتلت كوريا الشمالية المرتبة السابعة والثلاثين فقط، وراء موجة إنفلونزا الطيور الأخيرة واختيار اليابان الشخصية الكرتونية دورايمون لتكون سفير طوكيو الخاص في سعيها للفوز باستضافة الألعاب الأولمبية عام 2020.لكن رسالة واحدة تناقلها مستخدمو الإنترنت بسرعة فائقة: فقد شاهد نحو 2.9 مليون مرةً مقتطفاً من برنامج Daily Show مدته ثماني دقائق يهزأ فيه جون ستيوارت من صورة كوريا الشمالية المرسومة بدقة في وسائل الإعلام، وأسلحتها المتخلفة، وتهور كيم يونغ أون. رغم أن التلميحات الثقافية والسياسية قد تبدو غير مألوفة في هذا المقتطف، إلا أنه لاقى رواجاً كبيراً. أحب الناس، على ما يبدو، الصورة المشغولة في برنامج فوتوشوب لتمثال كيم يونغ أون وتمثال الحرية في لقطة غرامية. لطالما اعتبر الأميركيون أن حكام بيونغ يانغ المستبدين غريبو الأطوار وديماغوجيون متهورون، وأنهم مجانين بقدر ما هم خطيرون. ولكن يبدو أن الصينيين بدأوا يكونون اليوم وجهة نظر مماثلة، أو بدأوا على الأقل يشعرون بالانزعاج من صديقهم السابق. ويعكس تعليق أحد مشاهدي فيديو برنامج Daily Show بطريقة مضحكة هذا التبدل في المواقف تجاه كوريا الشمالية. فيسأل: "لمَ يسعى وراء ذل مماثل؟".* Helen gao