تقول إحدى النكت المصرية إن رجلاً كان يعاني من نكد زوجته كل يوم، فقرر من باب ضبط النكد أن يحدد لها يوماً واحداً في الأسبوع يتسنى لها فيه ممارسة هوايتها "التنكيد عليه"، وأن تريحه باقي الأيام، فوافقت الزوجة على مضض، لكنه دخل عليها يوماً فوجدها سعيدة وترقص فسألها عن السبب، فقالت له وهي ترقص: "بكرة النكد بكرة".
هذه النكتة تذكرتها سريعاً حالما أعلنت الأمم المتحدة عن تحديد يوم ٢٠ مارس ليكون يوماً سنوياً للسعادة يحتفل به كل عالم، جرياً على تخصيصها أياماً أخرى لمناسبات عديدة.تذكرت أن بعض العرب متخصصون مثل هذه السيدة في الاحتفال بتحويل يوم السعادة إلى نكد، وقد يكون من العبء عليهم زيادة يوم آخر من السعادة غير العيدين، فهم سيعجزون عن القيام بمقتضياته من السعد والفرح، فكُتابنا، كما تجري عليه العادة، لا يذكرون أن القدس محتلة وأن العراق مقسم وأن مصر مهددة بالفوضى، وسورية بالحرب الأهلية إلا يوم العيد، وهم قبل يوم العيد يغسلون بيت المتنبي الشهير "عيدٌ بأية حال عدتَ يا عيدُ" وينشرونه صبيحة كل عيد أمام وجوهنا. يبدو أن رؤية يوم العيد والأطفال يمرحون تجعل عقدة الحنين إلى الماضي تنزّ في مقالاتهم، ويصعب عليهم فهْم أن الطفل يمرح دائماً لأنه يعيش وفق متعة اللحظة، فليس له ماضٍ مليء بالعثرات يأسى عليه، ولم يستبد به القلق على مستقبل غامض، وهذا هو منهج الحياة والرضا والسعادة، أن تعيش اللحظة وتمتنّ لكل ما فيها من نعمة.في ظني أن علاقتنا المضطربة بالفرح لها علاقة بثقافتنا، فاليوم رغم ارتفاع معدل الدخل والاستهلاك والرفاهية وتراجع الأمراض والجهل، فإن علاقتنا بالرضا والامتنان بما نمتلك لا تزال ضعيفة، لا تقل لي "انظري إلى نسبة الفقر في بنغلاديش وفي اليمن ونسبة من يملكون ومن لا يملكون" أنا أتحدث عنك أنت، أنت الذي تمتلك سيارة ومنزلاً ودخلاً وصحتك جيدة. مرةً، كنت أجلس في نادٍ للسيدات ذات صباح، وإذ بسيدات من بلدان البحر الأبيض المتوسط يجتمعن من أجل فسحة قصيرة جداً لشرب الشاي، وإذا بواحدة منهن تحمل طبلة صغيرة، وما إن جلسن حتى بدأن يصفقن ويطبلن وتقوم كل واحدة منهن برقصة قصيرة ليست إلا من باب المشاركة في الفرح، توقفت أمام هذا المشهد، وتذكرت جلسة ضحى بعض سيدات الصحارى الحزينة، تذكرت تلك السيدة التي تقول "أبونا راح وأبونا جاء" تقصد زوجها، وقد قالت لي أمي مرة إنها لم تجرؤ مرة على ذكر اسمه من باب الحياء، تذكرت الشكوى الطويلة والنميمة، تذكرت أن أبجديات الفرح هي لغة تزرعها الثقافة في ذاكرتك، وتحفرها السلوكيات اليومية في وعيك منذ الطفولة، لهذا فإننا حتى لو وصلنا يوماً ما إلى ما حلمنا به وحققنا جميع رغباتنا فإن لياقتنا مع الفرح تنهك سريعاً، لا نمتلك خريطة مناسبة للوصول إليه، لأنه شيء يأتي من الطفولة، لهذا نحنُّ للعيد بينما هو حنين للطفولة والبال الخلي، لكن الحق يقول إن منظمة الأمم المتحدة لم تخترع هذا اليوم كي تعذنبا وكي تذكرنا بما لم يتحقق بعد، بل كي تذكرنا بما تحقق، وبالطائر الذي في يدنا لا بالطيور العشرة التي على الشجرة.
أخر كلام
بكرة النكد بكرة
30-03-2013