انضم الإعلامي باسم يوسف إلى كتيبة الكتاب الساخرين بعد نجاح برنامجه الساخر «البرنامج» واستحواذه على نسبة مشاهدة عالية نظراً إلى سخريته  الدائمة من نظام الحكم في مصر وتيار الإسلام السياسي، وبدأ يوسف في كتابة مقالات صحافية ويعد كتاباً عن أفكار برنامجه سيصدر قريباً.

Ad

كذلك دفعت البرامج الساخرة الفنان مدحت شاكر الذي ارتبط ظهوره وقت الثورة المصرية بشخصية الأسطة «زلطة ضعبيش» التي قدمها في مسلسل «خرم إبره» من بطولة الفنان أحمد سعد إلى مصاف الشهرة في فن السخرية ببرنامجه «زلطة شو»، وهو برنامج «ستاند أب كوميدي» سياسي ساخر يتهكم فيه على الأوضاع السياسية المتناقضة للشخصيات البارزة في المجتمع.

نجاح زلطة وباسم وتصاعد الشعور بالعبث مما يجري على الساحة السياسية أعاد الأضواء إلى الكتابات الساخرة، فتلقى كتابات الراحل جلال عامر وعمر طاهر وبلال فضل وتامر مصطفى وأحمد خالد توفيق ويوسف معاطي، حتى كتابات الرواد أمثال محمود السعدني ومحمد عفيفي وأشعار بيرم التونسي الهزلية وغيرهم من الأسماء التي لمعت في مجال الكتابة الساخرة، رواجاً واسعاً.

ويتفق الكتاب على أن الأدب الساخر يلقى انتشاراً، لأننا شعب دمه خفيف و{ابن نكتة» وزاد من الأمر انتشاراً، المدونات والمنتديات على الإنترنت، ويرون أنه  متنفس للمواهب الجديدة التي تبحث عن فرصة لعرض إبداعها؛ لكن ليس كل شخص خفيف الظل يصلح للكتابة الساخرة؛ فالكتابة الساخرة هي أصعب أنواع الكتابة على الإطلاق؛ فمن السهل جداً أن تجعل القارئ يبكي أو يتعاطف مع شخصيات الرواية؛ لكن من الصعب أن تجعله يضحك والحكم في النهاية للقارئ.

يعبر كتاب الأدب الساخر عن الآلام والأحزان بطريقتهم الخاصة، ويقدمون هموم مجتمعهم على شكل ابتسامات ومفارقات، فهم لا يستطيعون العيش بحزن طوال الوقت فتراهم في قمة حزنهم يقدمون الفكاهة والسخرية مما يدور حولهم، يكتبون باللغة الشعبية حيناً والفصحى حيناً آخر إما أدباء أو صحافيين ولكل منهم أسلوبه وطريقته الخاصة يربطهم رابط واحد هو الحزن والألم، وحب الشعب والوطن، ويرون أن الأدب الساخر نوع من الكتابة تجعلهم يعبرون عما في قلوبهم من هموم ومشاكل اجتماعية وسياسية يصوغونها بطريقة كوميدية.

يقول أحد أصحاب دور النشر الخاصة إن «زيادة الإقبال على قراءة الأدب الساخر يعود إلى تصاعد الإحساس بالإحباط بعد ثورة يناير حيث الشعور العام بالضيق، ووجود معوقات ومشكلات حياتية يومية، الناس أصبحوا بحاجة إلى ما يخرجهم من هذا الاتجاه ولكني أتوقع أن موجة الاهتمام بالأدب الساخر ستبدأ في الانحسار هذا العام».

بين الأدب والسياسة

تعود السخرية من الأحوال العامة إلى عهود قديمة يرجعها بعض المؤرخين إلى قدماء المصريين، ويحمل لنا التاريخ عبر عصوره كتابات وتجارب عدة لعل من أبرزها تجربة الأسعد بن مماتي في السخرية من حكم قراقوش، وكتابه «الفاشوش في حكم قراقوش» أحد أشهر الكتب الساخرة وكان ينتقد خلاله فاشية وغباء الدكتاتور بطريقة كوميدية مسجوعة ومثيرة للسخرية لدى القارئ، فقد وجد أن الضحك والسخرية هي الوسيلة الأفضل للانتقاد والتوبيخ. ولا ننسى كتابات وخطب الشيخ عبد الله النديم الذي كان يراوغ المستعمر والسلطة بالتنكر وينعتهما بالغباء ويفر من قبضتهما ويسخر منهما بأساليبه وحيله التي لا تنتهي.

وتستمر المسيرة مع الشعراء بديع خيري وبيرم التونسي ويونس القاضي وأحمد فؤاد نجم وغيرهم، الذين تميزوا بأسلوبهم اللاذع وغنى لهم كبار المطربين أمثال سيد درويش والشيخ إمام وصولا إلى ما قدمه الراحل محمود السعدني من السخرية التي خرجت عن نطاق السياسة الداخلية لمصر حتى طاولت الخارج قبل الداخل، المجتمع قبل الحكومة، وطاولت الكاتب نفسه قبل الآخرين. كذلك الراحل جلال عامر الذي على مدار عمره لم يسلم من قلمه أحد حتى سخر من نفسه كثيراً. غير أنه مع التطور التقني الحادث وشيوع شبكات التواصل انتقلت السخرية إلى الشاشات وكانت تجربتا باسم يوسف و{زلطة شو} الأبرز بعد ثورة يناير، حيث يقدمان مادة ساخرة يشاهدها عشرات الملايين حول العالم ليصل حسبما يذكر الكاتب مايكل عادل في مقاله عن السخرية والسياسة في مصر على موقع «اليوم السابع» بالسخرية التي اعتادها المصري من سياسات الحاكم والمسؤول وأساليبهما في التعامل مع القضايا المختلفة، إلى منطقة جديدة باستخدام مقاطع الفيديو بدلاً من التدوين وبحضور المشاهدين في مكان تقديمه لحلقاته وبمشاهدة الناس في جميع أنحاء العالم ليخطو بالسخرية خطوة جديدة في الطريق الذي بدأه الأسعد بن مماتي منذ حوالى 900 عام مضى.