نشط آية الله علي خامنئي على موقع "تويتر" أخيراً، فقد لجأ القائد الأعلى الإيراني إلى موقع التواصل الاجتماعي هذا ليوبخ الولايات المتحدة على ريائها ومعاييرها المزدوجة في الشرق الأوسط، لكن هذه ليست المسألة الوحيدة التي تشغل باله، فقد غرد الأسبوع الماضي، ناشراً أفكاراً عميقة بأسلوب مرح عن الزواج، فذكر: هيا أيتها النساء، لا تعاتبن أزواجكن لأنهم يمضون وقتاً طويلاً في المكتب، وإن لم تقرأن قصة البؤساء لفيكتور هوغو، فعليكن بذلك على حد قوله. فهي "معجزة" بين الروايات، "كتاب ملهم، كتاب عن اللطف والحب والمحبة".

Ad

تكمن مشكلة محاولة فهم النظام الإيراني في أنها تشبه محاولة الحكم على شخص لم تلتقه مطلقاً من خلال تغريداته أو الصور المضحكة التي ينشرها على موقع فيسبوك، فلن تتمكن مطلقاً من رؤية الصورة الكاملة، لأن تعاطيك معه يبقى محدوداً بما يريدك هو أن تراه.

لطالما كان قادة إيران أسياد الرسائل المختلطة، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن هذه المناورة توقع منتقديهم في الحيرة، فضلاً عن أن إيران تضم أكثر من مركز قوة واحد، فنشهد في هذا البلد كل أنواع التوتر الداخلي، ولا يتمتع الرئيس بكل الصلاحيات (خطأ وقع فيه الغرب كثيراً خلال تعاطيه مع محمود أحمدي نجاد، فقد أدت تصرفات هذا الرئيس المبالغ فيها إلى الافتراض أنه حاكم مستبد).

لذلك عندما نقرأ (عبر "تويتر" بالتأكيد) أن الولايات المتحدة وإيران ستعقدان محادثات أو ستستأنفان المراسلات بينهما على الأقل، وأن فترة التهدئة الحقيقة الأولى منذ عام 1979 تلوح في الأفق، يجب أن نفرح، ولكن من الضروري ألا نفترض أن نهاية كل المشاكل باتت وشيكة.

لا شك أن حسن روحاني، الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً، بدّل الجو العام السائد، فقد انتقل من المرشح المغمور إلى المنتصر في انتخابات شهر يونيو الماضي، بعد أن وعد بالحد من الرقابة على الإنترنت وتخفيف الكثير من القيود القاسية التي تصعب الحياة في إيران. لكن خطوته الأكثر جرأة جاءت حين هاجم الإجماع الداخلي في المسألة النووية، فقد اعتبر أن إيران تسيء التعاطي مع حالة الجمود التي تواجهها مع الغرب، وإذا انتُخب، فلن يسعى إلى تعزيز عزلة إيران، بل إلى عقد صفقة تؤدي إلى رفع العقوبات عنها.

ضاق معظم المواطنين الإيرانيين ذرعا بالخطاب المناهض للغرب الذي ما انفكوا يسمعونه طوال السنوات الثلاثين الأخيرة من حياتهم. لكنهم سئموا أيضاً العمل في وظيفتين لتأمين قوتهم، ورؤية أحبائهم يموتون في أجنحة المستشفيات التي تفتقر إلى أدوية السرطان الأساسية بسبب العقوبات القاسية، ولا شك أن روحاني، بشنه هجوما لاستمالة الغرب وتبادله الرسائل مع باراك أوباما بشأن سورية (اتصال قد يؤدي إلى نتيجة مذهلة، ألا وهي أول محادثات ثنائية بين القادة الإيرانيين والأميركيين منذ ما قبل الثورة الإسلامية)، يخاطب شعبه أيضا.

بصفته رجلاً مثقفاً وراقياً سافر إلى الخارج (تابع جزءا من دراسته في بريطانيا)، أحاط روحاني نفسه بشخصيات خبيرة في مجال الإعلام تتقن جيداً قواعد الدبلوماسية الدولية. على سبيل المثال، تابع وزير خارجيته جواد ظريف علومه في الولايات المتحدة، ويهوى التغريد على "تويتر" باللغة الإنكليزية واستخدام موقع "فيسبوك" (المفارقة أن معظم الإيرانيين لا يمكنهم ولوج وسائل التواصل الاجتماعي). وقد استغل روحاني وظريف كلاهما الأزمة السورية ليقدما إيران لا كخطر بل كقوة محترمة بالغة الأهمية في المنطقة.

أفادت وسائل الإعلام الألمانية يوم الاثنين أن نوايا روحاني، الذي تملق محاوريه الغربيين، ستشمل وقف العمل في محطة الطاقة النووية الأكثر خطورة في إيران (منشأة تحت الأرض في المنطقة الجبلية القريبة من مدينة قم قادرة على الصمود في وجه أكبر القنابل) مقابل رفع الحظر عن صادرات النفط الإيرانية. ولا شك أن هذا يُعتبر مذهلاً، حسبما ذكرت "دير شبيغل".

ولكن ثمة نقطتان مقلقتان: أولاً، كم سيُضطر روحاني إلى السير بدقة داخل إيران إن لم يرد الاصطدام بالقائد الأعلى وحلفائه في حرس الثورة؟ وثانيا، هل يكون لكل هذا أي تأثير في الحرية السياسية وحقوق الإنسان في إيران، علماً أن هذه هي الأمور التي تستطيع حقاً تجريد المتشددين الإيرانيين من سلاحهم؟

تميل شريحة كبيرة من الإيرانيين إلى التفاوض، إلا أن خامنئي يريد خوض هذه المفاوضات من موقع قوة، فضلا عن أنه لن يتخلى مطلقاً عن حق بلاده بتخصيب اليورانيوم. وبغض النظر عن اللقاءات التي قد تُعقد في أفخر غرف الاجتماعات في جنيف أو في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، سيتمسك المحافظون الإيرانيون الأكثر تشدداً بخوفهم من أن أجندة الولايات المتحدة الفعلية تقوم على تغيير النظام.

بدأت تظهر راهناً علامات التوتر الداخلي في إيران. اعتُبر تغيب روحاني عن مأتم مهم حضرته نخبة الشخصيات الإيرانية البارزة أخيراً غير ذي أهمية. ولكن إذا اشتبهوا بأن خطوات روحاني العملية تهدد سلطتهم ومصالحهم المالية، التي تعتمد على استمرار الوضع الراهن، فلن يطول الوقت قبل أن يكبحوا جماحه. عندئذٍ سنرى المزيد من تلك الإشارات المختلطة.

وماذا عن مصدر القلق الثاني؟ تشمل النتائج المحتملة أن يؤدي عقد روحاني صفقة نووية مقابل العقوبات إلى تدعيم النظام القائم. كيف؟ بتخفيف الضغط الداخلي والحد من خطر الانشقاق المكبوت ومنح الملالي شرعية جديدة. ومن المحتمل أن تكون هذه النتيجة التي يطمح إليها الرئيس الجديد، مع أنه يؤدي بوضوح دور مَن نحب أن نصفه بـ"المعتدل".

ولكن لا يستطيع روحاني ولا خامنئي أن يستبعدا من حساباتهما خطر أنه ما إن يقبلا بانفتاح إيران، ويخففا القيود على السفر (في الاتجاهين)، ويحدا من الرقابة، ويبدآ التفاوض مع الأميركيين، ويُخرجا إيران من عزلتها، فإن كل شيء سيصبح ممكناً، كما نعلم من حبكة أهم الروايات وأعظمها.

* Katherine Butler