دائماً نتغنى بأن خليجنا واحد وشعبنا واحد في إشارة صريحة ومنهجية إلى أن مصير دول الخليج العربية والتحديات والمخاطر التي تواجه مواطني مجلس التعاون متشابهة ومشتركة، الأمر الذي يتطلب سياسات واستراتيجيات موحدة.

Ad

والحديث هنا ليس بشأن تلك الوعود والأماني التي مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة بتحقيق الحلم الخليجي القائم على الاتحاد والتكامل الإقليمي الذي لم نر منه سوى كأس الخليج لكرة القدم، التي انطلقت بالمناسبة في عام 1970، والسفر بالبطاقة المدنية.

إنما الحديث عن التطورات السريعة والمعقدة التي تجتاح المنطقة برمتها وتداخلاتها الإقليمية والدولية، خصوصاً تداعيات الربيع العربي وأحداث سورية الدامية وموقف الحكومات الخليجية منها، وقد تكون التحليلات السياسية في هذا الشأن من بين الخطوط الحمراء التي ينزعج منها أصحاب القرار باعتبارها تفتح أبواب التناقض والتباين الحاد في الرؤى والسياسات الخليجية الرسمية، إضافة إلى الضغوط الشعبية المتعاكسة أيضاً، وهذا ما يقود إلى توجيه سؤال مباشر ومهم: أين يتجه الخليج ومن يقود سياسات دوله؟

الحقيقة أن السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون باتت واضحة في تناقضاتها، ويخشى أن تصل إلى مرحلة الحرب الباردة بالوكالة، وأول هذه التناقضات الموقف السلبي من الحكومات الإسلامية التي جاءت على قطار الربيع العربي، بل تسعى بعض الدول الخليجية إلى المساهمة في إسقاطها أو على الأقل إضعافها لمنع امتدادها وتأثيرها إلى منطقة الخليج، خصوصاً مع استقواء التيارات الدينية فيها.

بل شهدت بعض الدول الخليجية سلسلة من الإجراءات الأمنية والملاحقات والمحاكمات لنشطاء ورموز التنظيمات الإسلامية كما هي الحال في دولة الإمارات بالنسبة إلى "الإخوان المسلمين" والتنظيمات المرتبطة بـ"القاعدة" في المملكة العربية السعودية، كما تقود هذه الدول حملة إعلامية مكثفة خصوصاً عبر الصحف والفضائيات الموالية لها ضد هذه التيارات.

ولكن بالمقابل تقف دول الخليج وبدرجات متفاوتة يصل بعضها إلى الذروة في دعم نفس التيارات الدينية، سواء المعتدلة منها أو المتشددة بهدف إيصالها إلى السلطة في دول أخرى ولو بالقوة المسلحة.

حتى في هذا الموقف السياسي تتفاوت المواقف الخليجية بشكل مريب، فمؤتمر أصدقاء سورية الذي عقد بالدوحة قبل أيام لم يحضره سوى قطر والسعودية، اللتين تبدوان أنهما في مقدمة الجبهة العسكرية المعارضة للنظام السوري، بينما تقف الإمارات على النقيض تماماً من المعارضة السورية المسلحة.

أما الموقف الكويتي فقد خط مساراً وسطاً في تأييد الحل السياسي ودعم الجهود الإقليمية والدولية للخروج من الأزمة بأقل كلفة على حساب الدم السوري، وهو موقف ينسجم مع موقفها من الحكومات الإسلامية الجديدة في مصر والمغرب العربي، في حين أن الموقف العماني هو الأكثر حيادية والأقرب إلى عدم الاكتراث سياسياً وإعلامياً من مجمل المشهد السياسي الجديد.

ومهما كانت مبررات كل دولة خليجية وتوجهاتها إزاء نتائج الربيع العربي عموماً وأحداث سورية خصوصاً، فإن ذلك يعكس بوضوح حجم التباينات الحادة بين حكوماتها والتي قد تضاف إلى الاختلافات الكثيرة بينها في الشؤون الداخلية، بحيث لم تعد أنظمتنا السياسية متفقة على شيء داخلياً وخارجياً باستثناء الاتفاقية الأمنية الموجهة ضد شعوبها!