التدويل مصطلح ينقرض
![أ.د. غانم النجار](https://www.aljarida.com/uploads/authors/30_1682522974.jpg)
دفعت الحكومات بقوة في تحويل مصطلح بريء كـ"التمويل" إلى مصطلح مشبوه، وكان السبب هو خروج بعض تشكيلات المجتمع الأهلي عن سيطرتها. وأسماء ضحايا تلك الحملة معروفة. بالطبع هذا لا يعني أن تلك المنظمات لم ترتكب أخطاء، ولم يخلُ بعضها من ممارسات فاسدة، إلا أن الحملة في جوهرها كانت سياسية بامتياز، فقد كانت باختصار صراعاً بين السلطة المركزية والمجتمع المدني الذي بدأ يشبّ عن الطوق، وبالتالي يشكل تهديداً لتلك السلطة. وعادة ما ينعكس ذلك الصراع على القوانين المتشددة ضد المجتمع مثل ما يجري في روسيا هذه الأيام.ينطبق الأمر ذاته، وإن بمنظور مختلف، على مصطلح التدويل، فالمصطلح ذاته اختفى، أو كاد، عن الاستخدام، فعندما عملنا، ومازلنا، لإغلاق معتقل غوانتنامو، أو مجمل السياسات الأميركية ضد "الإرهاب" كقانون "باتريوت"، سواء كمنظومة دولية غير حكومية تطوعية أو خبراء مستقلين أو العفو الدولية أو الووتش أو الدولية للحقوقيين أو ريبريف أو غيرها، فإن العمل كان يتم داخل أميركا وخارج أميركا، مع منظمات وأفراد أميركان وغير أميركان، ولم يحدث في حيثيات ذلك النشاط الناقد بحدة لسلوكيات السلطة الأميركية، وخلال لقاءات متعددة مع مسؤولين أميركان، أن احتجّ أحدهم بأن ذلك يمثل تدويلاً لشأن وطني أميركي، أو أنه يمثل تدخلاً في الشؤون الداخلية، أو أنه يمثل انتهاكاً للسيادة الوطنية. إلا أن هناك دولاً تصر أن تعيش في منطق وذهنية "الحرب الباردة"، ومازالت تتعامل مع مناقشة قضايا حقوقية في الخارج، على أنها تدويل. ولحسن الحظ فإن منطق تلك الدول إلى انقراض، وبالذات منذ يونيو ٢٠٠٦، مع إنشاء مجلس حقوق الإنسان والمراجعة الدورية الشاملة. ولذا نجد أن منطق اعتبار التدويل للقضايا الإنسانية خروجاً عن الملة، أو أنه انتهاك للسيادة أو أنه تدخل في الشؤون الداخلية، هو منطق قديم تجاوزه الزمن، ولذا وجدنا المصطلح في طريقه للانقراض، وحل محله تعاون دولي، ومجتمع مدني فاعل، وحيث إن الحديث ذو شجون، فله بقية.