تناولت في مقال الأحد الماضي في ما تناولته تحت عنوان "أزمة القضاء والتيار الإسلامي" أن من بين أسباب هذه الأزمة أن التيارات الإسلامية تطالب القضاة بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية ولو كانت هذه المبادئ ظنية الثبوت والدلالة، ولو كانت تتعارض والقوانين الوضعية.

Ad

أمر قضائي بجلد سكير

وقد وجد فكر التيار الإسلامي في أحد وكلاء النيابة في مصر الأسبوع الماضي ضالته عندما أصدر قراراً بجلد أحد الموطنين ثمانين جلدة، لضبطه سكيراً، وأمر مأمور القسم (المخفر) بتنفيذ عقوبة الجلد علناً، ورفض المأمور، ولجأ إلى رئاسته، وانتهى الموضوع بنقل وكيل النيابة إلى مكان آمن له وللناس، من الغلو والشطط في أداء رسالته، لأن القضاة يطبقون القانون ولا يصنعونه.

وقد امتدحت الفضائيات الإسلامية والتيارات الإسلامية وكيل النيابة، لشجاعته وجرأته في حماية الفضيلة، والخمر من الكبائر التي حرمها الله.

رجم امرأة في إيران حتى الموت

وتصادف أن شاهدت في إحدى الفضائيات مشاهد من فيلم، كتب قصته كاتب فرنسي، من أصل إيراني يروي فيه قصة واقعية، لامرأة طلقها زوجها، وهو من الحرس الثوري، فطالبته بمؤخر الصداق والنفقة وسائر حقوقها الزوجية، فاتهمها بالزنى، وأن أحد الأئمة في القرية أصدر حكمه برجمها حتى الموت، وقامت بدور البطولة في هذا الفيلم ممثلة فرنسية، وأن الزوج الذي كان يرجمها، ويحرض أهل القرية على رجمها أتى بولديه ليرجما أمهما، فرجماها وقد غطيا عيونهما باليد الأخرى، وأن الدماء كانت تسيل من وجهها، والجميع يهللون ويكبرون، كأنهم في فرح وليس في مأتم.

وقد روت هذه القصة لكاتبها خالة الضحية وجيرانها الذين شهدوا للضحية باستقامة الخلق. كانت المشاهد مرعبة ومفزعة، وأعتقد أن كثيراً من الأطفال قد شاهدوها، في كل أنحاء العالم، وأن كل من شاهدها حتى من الكبار قد دمعت عيونه، وربما انتحب.

الحدود الشرعية طائر في سرب

تذكرت وأنا أشاهد هذه المشاهد من الفيلم ما قاله الشيخ صادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني، ورئيس أسبق لحكومة السودان، وهو من خريجي الأزهر، المدرسة الوسطية في الإسلام في كتابه العقوبات الشرعية، عندما وصفها بأنها طائر في سرب أو راقد في نهر، ولا يجوز الحديث عن الطائر دون الحديث عن سربه أو الحديث عن الرافد دون الحديث عن نهره. ويقصد بالسرب أو النهر المجتمع الفاضل، الذي يسود فيه العدل والحق، المجتمع الذي يرفض فيه العلماء تولي مناصب القضاء مخافة أن يظلموا أحداً، وأن الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان، يرفض تولي القضاء في عهد بني أمية، فيجلد في الطرقات كل يوم فيهرب إلى مكة، ويرفض تولي القضاء في عهد العباسيين، ويقول للخليفة إننى لا أصلح لولاية القضاء، فيرد عليه الخليفة كذبت أنت أصلح من يكون قاضياً، فيرد أبو حنيفة، وهل يصلح قاضياً من وصفته بالكذب، فيزج به في السجن ويعذب إلى أن يموت، والجميع يتكالب الآن على المناصب القضائية.

مجتمع يسود فيه قول أبي مسلم الخولاني "إذا عدلت مع أهل الأرض جميعاً وجُرْت في حق رجل واحد فقد مال جورك بعدلك".

مجتمع يطبق الرجم عندما تتوافر شروطه، وهو أن يشهد على ذلك أربعة شهود بأنهم رأوا الفعل كدخول المرود في المكحلة، وهو أمر يستحيل إثباته عملاً.

وعندما شهد ثلاثة بذلك ولم يشهد الرابع، طبق عليهم سيدنا عمر حد قذف المحصنات وهو الجلد.

مجتمع يطبق حد الزنى، كما طبقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو كاره لتطبيقه، عندما مثلت أمامه امرأة تعترف اعترافا صريحا بأنها زنت، فيقول لها، اذهبي إلى أن تضعي ما في بطنك، فتعود إليه بعد أن وضعت، فيقول لها اذهبي إلى أن تفطمي ابنك، لتمضي سنتين في رضاعة ابنها.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.