هل تتبعتم رحلة جون ماكين إلى مناطق الحرب الأهلية السورية، التي أُشيد بها كثيراً (من قبل ماكين نفسه)، مروراً بحليفنا في حلف شمال الأطلسي، تركيا، التي تُعتبر خطّ إنقاذ منظمة «حماس» المجاهدة؟ نعم، وصل ماكين فجأة إلى سورية كي يبرهن أننا نحن، منتقدي مغامرته السابقة في أرض «الديمقراطية الإسلامية»، مجرد مجانين. فمن المؤكد، في رأيه، أن المسيرة نحو الحرية ستفلح في دمشق، تماماً كما نجحت في بنغازي، والقاهرة، وبغداد، وكابول.

Ad

قد يكون محقاً في ذلك.

يبدو هذا المغامر سريع التأثر بالانتقادات التي وُجِهت إليه عن أنه لا يتحلى بالتمييز الكافي عند الفصل بين أصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها اللدودين؛ لذلك كان الهدف المباشر لرحلته الأخيرة هذه إلى الشرق الأوسط إظهار أن «الثوار» المناهضين للأسد (أدعوهم المجاهدين السوريين، لأنهم هكذا يُصنّفون أنفسهم) هم بأغلبيتهم علمانيون معتدلون. قد تحتوي فيالق الثوار بعض العناصر الفاسدة، وفق ماكين. ولكن كونوا واثقين من أن الترسانة التي يودّ ماكين منحهم إياها، فضلاً عن الهجمات الجوية التي ستقودها الولايات المتحدة ضد قوات الأسد، لن تشكل جزءاً من عملية تسليح الجهاد التالي ضد الولايات المتحدة. أما مَن يدّعون أنه لا يستطيع تمييز الأخيار عن الأشرار، فما هم إلا مجموعة من الانعزاليين الجبناء.

ولكن كم من المؤسف أن يجد هذا السيناتور وسط هذا العرض المبهر سبيلاً إلى الوقوف إلى جانب محمد نور وعمار الداديخي (المعروف أيضاً باسم أبو إبراهيم) لتُلتقط لهم الصور معاً، علماً أن هذين «ثائرين» مشهوران من «لواء عاصفة الشمال» المعتدل الذي خطف السنة الماضية أحد عشر رجلاً من الحجاج اللبنانيين الشيعة. ونور متحدث رسمي باسم اللواء، الذي ما زال يحتفظ بتسعة من الحجاج رهائن. آه!

كالعادة، غفل ماكين عن معنى هذه الهفوة، فسارع مكتبه إلى إصدار بيان يؤكد أن «من السخف الافتراض أن السيناتور يتغاضى بأي شكل من الأشكال عن خطف الحجاج اللبنانيين الشيعة». نعم، وهذا ربما ما يعلل امتناع أي أحد عن ذكر أمر مماثل (كما يوضح ألاهبانديت في تحليل مميز في مدونة Hot Air). لا يظن أحد بالتأكيد أن المجموعة التقدمية المؤيدة للإسلاميين في الكونغرس تدعم الجهاد عن طيب خاطر. إلا أن ماكين وشركاءه يتعامون عن واقع أن هذا الجهاد يعتمد على أوهامهم ليزدهر.

يُعتبر ماكين ثابتاً لا يتبدل، فلم ننسَ بعد هفوات خيمة القذافي عام 2009، حين كان ماكين يطالب بتقديم المزيد من الدعم الأميركي للنظام الليبي، الذي اعتُبر آنذاك حليفا أساسياً للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب. حدث ذلك قبل أشهر من أن يبدّل هذا المغامر رأيه فجأة ويقرر أن النظام الذي ندعمه يجب أن يسقط. فهذا، وفق ماكين، يقوّي بالتأكيد حلفاءنا الجدد (أم بالأحرى أعداءنا السابقين؟)، ثوار بنغازي المعتدلين، الذين عادوا لتوهم من الجهاد طوال سنوات ضد المشروع الديمقراطي الإسلامي الأميركي في العراق. وها هو ماكين يكرر الخطأ ذاته في سورية. فقد نظر ماكين إلى بحر من الإسلاميين المتشددين، رأى بعض الجزر الصغيرة التقدمية، وأعلن أن الثوار «أبطاله»، فيما كانوا يلوّحون برايات الجهاد السوداء وينفذون أعمالهم الإرهابية الوحشية. آه مرة أخرى!

ثمة واقع راسخ قد يكون من الأفضل أن يفكّر فيه الجمهوريون فيما يحاول ماكين، خبيرهم في السياسة الخارجية، دفعهم نحو الفصل الثاني من ليبيا، بما أن الفصل الأول، كما تعلمون، لاقى نجاحاً كبيراً. إليكم خلاصة الفصل الأول: لا يمكن لإهمال إدارة أوباما واجباتها في مسألة مجزرة بنغازي أن يمحو بصمات الجمهوريين عن المعضلة الليبية. صحيح أن أوباما هو مَن رمانا عن الجرف، إلا أن ماكين دفعه نحو الحافة.

لم تحظَ حرب ليبيا، التي سُرّ أوباما بقيادتها من الخلف فيما كان ماكين يدور ويهلل في المقدمة، بموافقة الكونغرس. لكن ماكين لم يرَ مشكلة في ذلك لأنه اعتبر أن إنقاذ بنغازي أكثر أهمية من الوقوف عند تفاهات دستورية، مثل الحصول على الضوء الأخضر من ممثلي الشعب الأميركي. ففي النهاية، ما كانت الولايات المتحدة لتفعل من دون بنغازي؟ وهكذا تحوّلت ليبيا إلى سابقة مؤذية قادنا فيها الرئيس بقرار منه إلى الحرب بالتعاون مع جامعة الدول العربية في ظل ظروف لا تبدو فيها أي من مصالح الولايات المتحدة مهددة. على العكس، أساء هذا التدخل إلى مصالحنا بتمكين أعداء الولايات المتحدة.

كانت ليبيا بعد التدخل تُعتبر كارثة، في أفضل الأحوال، حتى قبل قتل مجموعة من المجاهدين سفيرنا وثلاثة أميركيين بتسعة أشهر. فقد تحوّلت منشأتنا الدبلوماسية الغامضة في بنغازي إلى هدف للإرهابيين قبل أشهر من اعتداء الحادي عشر من سبتمبر عام 2012. وما زلنا لا نفهم سبب وجود بعثة لوزارة الخارجية الأميركية في مكان خطر جداً بالنسبة إلى الأميركيين. أغار المجاهدون على مخازن أسلحة القذافي، التي يستخدمونها اليوم في اعتداءاتهم في أنحاء شمال إفريقيا المختلفة، وفي ليبيا عينها، كما ذكر باري روبن، تتنقل الميليشيات المسلحة بحرية، وتتعرض المنشآت الغربية (مثل السفارة الفرنسية في طرابلس) إلى اعتداءات مستمرة، وبات المجاهدون التابعون لتنظيم «القاعدة» الذين قتلوا مسؤولينا حكّام بنغازي الفعليين، أما ما يُعتبر حكومة مركزية، فهو أضعف من أن يبسط سلطته.

لا تُعتبر هذه نتيجة غير متوقعة، فقد سهل توقعها على كل مَن كان مستعداً لرؤية المنطقة على حقيقتها لا كما يريدها هو، لكن هذا لا ينطبق على ماكين الذي راح يطمئننا، بعد أن انتهى من مقابلة مجموعات المجاهدين في سورية، إلى أن خصوم الأسد «يحاولون فقط تحقيق الغاية نفسها التي ضحى الأميركيون بمالهم ودمهم من أجلها طوال أكثر من مئتي عام».

نعم، كما حدث في بنغازي ومصر، حيث تُشَن حملة ضد المعتدلين والمسيحيين، وحيث فرضت حكومة «الإخوان المسلمين»، التي انضم ماكين إلى أوباما في دعمها، دستوراً إسلامياً؛ كذلك في العراق حيث عاد السنّة والشيعة إلى الاقتتال في ظل دستور إسلامي ساهمت وزارة خارجيتنا في وضعه؛ وفي أفغانستان حيث تنتظر حركة «طالبان» بصبر في ظل دستور إسلامي مماثل رعته الولايات المتحدة، في حين تنقلب القوات التي يدعمها الأميركيون ضد مدربيها الأميركيين؛ وفي تركيا حيث يسجن نظام إسلامي متشدد خصومه السياسيين، ويدعم المنظمات الإرهابية، ويقوّض العقوبات ضد برنامج إيران النووي، ويخنق تدريجياً ما شكّل في الماضي ديمقراطية موالية للغرب.

لا تُنشَر الحرية بدعم الأصوليين المتشددين. ويُعتبر الأمل العقيم بتحويل أعداء الولايات المتحدة إلى أصدقاء لها من خلال استرضائهم إحدى سياسات أوباما. أَلا يُفترض بالجمهوريين تقديم بديل آخر، ربما أمر مختلف عن هفوة أخرى تتسبب في «آه أخرى»؟

Andrew C. McCarthy