جميعنا، في الأمة العربية أولا ولمن يهمه أوضاع الأمة العربية خارج حدود الأمة ثانيا، نعلم أن ما يحدث في مصر يختلف عن أي حدث آخر خارج مصر. ليس ذلك تقليلا مما يحدث في بقية الأوطان العربية، ولكن لما لمصر من مكانة ثقافية وسياسية وفنية ودينية وما سيتركه أي نزاع في مصر على الوطن العربي من المحيط الى الخليج.

Ad

ما يحدث في مصر ليس كما يصوره البعض صراعا بين فصيلين سياسيين اختلفا على تركة الحزب الأوحد الذي أسسه العسكر لحكم مصر منذ عام 1952، حين ألقوا ببزاتهم العسكرية في الخنادق الأخيرة لا يعودون اليها الا في الاحتفالات العسكرية وارتدوا الملابس المدنية في تغيير ظاهري لم يصاحبه تغيير جوهري في تسليم السلطة لمنافسين لم يسمحوا بوجودهم أصلا. ما يحدث في مصر هو صراع ثقافي بين فكرين وصلا الى درجة التناقض. كان واضحا أن خطاب الكراهية ولغة التكفير أخذت تتنامى في الحقبة الماضية بعد بروز أسهم الإخوان المسلمين وثقتهم المفرطة بسيطرتهم على الحكم والعمل بكل وسيلة على الاحتفاظ بها تحت صياغات دستورية تسمح بها الأغلبية النسبية التى مكنتهم من الحكم.

الصراع الفكري وما صاحبه من خطاب تكفير الآخر واقصائه واشتعال الفضائيات في الدعوة لأسلمة المجتمع تحت رؤية ضيقة، هو ما أثار المصريين في محاولة لاستعادة ثورة 25 يناير واعادة الأمور الى المربع الأول. لم يمكث الاسلاميون في السلطة سوى عام واحد ليستخدموا خطابا شرسا يكفر المواطن الذي على غير دينهم ويقتل المواطن الذي لا ينتسب لطائفتهم ويدعو الى حد الحرابة في من يفكر في استعادة السلطة التى وعدوا بتداولها سلميا، كل ذلك وهم لم يخضعوا الجيش بعد لسلطتهم. والسؤال الذي لا نجد اجابة عنه ماذا لو كانت القوات المسلحة هي أيضا تدين بعقيدة الأخوان المسلمين ولم تكن محايدة في الصراع بين الفريقين؟

لا أحد يوافق على عودة العسكر مرة أخرى في 30 يونيو 2013 كما عادوا في 23 يوليو 1952 وكأننا نوقف الزمن أو نعيده مرة أخرى الى نقطة البداية، وفي الوقت نفسه لا تعني الديمقراطية أن يتم الغاء الفكر المغاير للحزب الفائز والمختلف معه بحجة أن الأغلبية البسيطة اختارته لقيادة أمور البلاد. في الدول الديمقراطية يلجأ الشعب في حال فشل الحزب الحاكم الى المؤسسة القضائية الأعلى والتي تمتلك النفوذ على اعادة الانتخابات.

في كل الأحوال على الجميع أن يبتعد عن الدم كبديل للفكر وما تنبئ به الأحداث اليوم بأن مصر أمام مواجهة يحتكم فيها المختلفون الى النزاع الدموي، وان وصل الأمر الى صراع دموي فليست مصر وحدها من يدفع ثمنه وانما ستدفعه الأمة العربية بأكملها. على العسكر تحديدا أن يدرك بأن مهمته اليوم هي المساهمة في ترسيخ المؤسسة القضائية وتحصينها لتكون المرجع الوحيد في حال النزاع أو الخلاف وليس اليه دائما.

مصر قلب هذه الأمة واذا توقف – لا سمح الله – توقف كل شيء.

*"العنوان من مقطع لمحمود درويش"