في مقال الأسبوع الماضي، ذكرنا عشرة أسباب لتعثر المسار الديمقراطي في العالم العربي، وكان آخر هذه الأسباب الانفجار السكاني العنيف في العالم العربي، وفي الدول الفقيرة منه، وذات المصادر الطبيعية المحدودة كمصر مثلاً. القنبلة السكانية تهديد خطير: فالقنبلة السكانية في العالم العربي، من أخطر القنابل التي تهدد كيان العالم العربي، وتنذر بالخطر الأكبر، فعلينا أن نولي الانفجار السكاني- كعامل اجتماعي ضد التقدم الديمقراطي- في العالم العربي أهمية بالغة. ونربط تفادي هذا الانفجار، بتحسن ظروف التنمية الاجتماعية، فمن الملاحظ مثلاً أن من أكثر بلدان العالم الخمسة غنىً وارتفاعاً في الناتج المحلي الإجمالي السنوي GDP، هي الدول التي لا يزيد عدد سكانها على خمسة ملايين نسمة، ما عدا اثنتين هما سويسرا (7 ملايين) والولايات المتحدة الأميركية (280 مليوناً). وعلاقة الرفاهية بحجم الدولة، جدل مطروح منذ أيام أرسطو، الذي نادى بتقليص حجم المدن الإغريقية. وقال إن التجربة أثبتت أن الدول ذات التعداد السكاني الكبير من الصعب- إذا لم يكن من المستحيل- أن تُسيّر تسييراً مُرضياً. وهذا المفهوم هو عكس ما يراه الآباء المؤسسون الأميركيون. فقد رأى جيمس ماديسون (1751- 1846م) الرئيس الأميركي الرابع- مثلاً- أن التعداد السكاني الكبير لدولة ما، سوف يساعد على تحقيق الديمقراطية، من حيث إنه يقلل من احتمالات سيطرة فئة على أخرى، وهضم حقوقها. الجدل الأكاديمي في الانفجار السكاني: وقد أثار موضوع الانفجار السكاني، وأثرة في رفاهية الدولة أخيراً، النقاش بين اثنين من كبار الأكاديميين الاقتصاديين الأميركيين هما: البيرتو آلاسينا، الأستاذ بجامعة هارفارد، وإينريكو سبولور من جامعة براون في كتابهما "حجم الأمم". وقد أشارا في هذا الكتاب إلى أن نصف دول العالم الآن، لا يتجاوز حجم سكانها ولاية ماساشوسيتس الأميركية (6 ملايين نسمة). ويرى هذان العالمان، أن الدول الصغيرة أسعد حظاً في أوقات السلام، بينما تظل تكاليف الدفاع أرخص في الدول العملاقة، حيث تتوزع تكاليف الدفاع على أكبر حجم من دافعي الضرائب. ويرى هذان الكاتبان، أن الدول الكبيرة، تستطيع أن تجبي مبالغ هائلة من الضرائب. ولكن لكل هذا ثمن باهظ، وينطبق على الدول الغنية أصلاً، أما الدول الفقيرة كدول الشرق الأوسط، والعالم العربي بصفة خاصة، فلا مجال لها لتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، غير تحديد النسل تحديداً صارماً، وبقوة القانون، والتقليل من عدد السكان، كما فعلت تونس على وجه الخصوص. وكان من الواجب على "المؤسسات الدينية"، أن تحضَّ حضاً مستمراً على تحديد النسل، لأنه من أساليب تدمير المجتمعات الفقيرة، على وجه الخصوص، لا أن تشجع عليه، وتدفع به، كما تفعل الآن، بحجة وجود أحاديث نبوية شريفة تحثُّ على كثرة التناسل، في مجتمع كان قليل السكان، وقليل المسلمين قبل 15 قرناً مضت. ومن هنا نرى، أن حظ العالم العربي من الديمقراطية في ظل هذا الانفجار السكاني والدخل المتدني، حظ قليل جداً، حيث صرح مدير صندوق النقد الدولي السابق رودريغو دي راتو، أن المجتمعات التي يقل دخل أفرادها السنوي عن عشرة آلاف دولار، من الصعب أن تحقق إنجازات ديمقراطية مهمة، حيث سيكون همّها بالدرجة الأولى، السعي إلى ملء البطون، قبل ملء صناديق الاقتراع! هل سرنا في الطريق الخطأ؟: فهل بدأ العالم العربي بداية ديمقراطية خاطئة، وسار في الطريق الخطأ، حين وقف على أعلى درجة من درجات سلم الإصلاح، وهي درجة الإصلاح السياسي، من قمة الهرم أولاً. ونسي أن السياسة كالتاريخ لا تحتمل حرق المراحل. ولكي نتخطّى مرحلة ما، لا بُدَّ أن نعيشها، كما قال الفيلسوف الألماني هيغل؟ وهل بدأت أميركا الإصلاح السياسي معنا، في الطريق الخطأ (طريق الاتجاه الواحد)، حيث لا عودة منها إلى الوراء؟ حيث كان يجب أن نبدأ بالإصلاح الاجتماعي أولاً، وهو أساس كل إصلاح. فكنا نحن وأميركا في تيه التيه، وضياع الضياع، حيث أرادت أميركا للعربة الاجتماعية العربية-العثمانية، المصنوعة في القرن التاسع عشر بمواصفات السلطان عبدالحميد الثاني، أن تسير على الأوتوستراد High Way الأميركي، بسرعة لا تقل عن 150 كم في الساعة! شواهد على صحة الطريق: ولكن هناك شواهد خليجية وعربية، تشهد أن العرب يتقدمون- ولو ببطء شديد- في المسار الديمقراطي، رغم كل هذه العقبات المنظورة. ومن هذه الشواهد ما يجري في الكويت مثلاً. فالمرأة الكويتية- مثلاً - كانت من أولى نساء الخليج، اللائي خرجن لتلقي العلم خارج الكويت، وكانت الطالبة الكويتية في معاهد العلم الأجنبية في العالم العربي كالجامعة الأميركية في بيروت والقاهرة، من الطالبات المتميزات في شدة إقبالهن على العلم والتفوق. كما شكَّلت الطالبة الكويتية أكبر نسبة من طالبات الخليج اللائي درسن في جامعات الغرب، وحصلن على أعلى الشهادات. والمرأة الكويتية، هي المرأة الخليجية، التي كانت تذهب إلى جامعة حكومية مختلطة (جامعة الكويت) إلى أن تم منع الاختلاط بعد 1992، وبضغط من التيار الديني المتشدد، الذي اعتبر أن من أسباب الغزو الصدامي 1990-1991 للكويت، هذا الخروج للمرأة! والذي يريد للمرأة أن تلزم بيتها "مكانك تُحمدي" و"البحصة في مكانها قنطار" وتكرّس حياتها للعلَف والخلَف فقط! والمرأة الكويتية، هي المرأة الخليجية التي مارست التدريس في الجامعات، ومارست المحاماة، ومارست السياسة، وكانت ناشطة في لجان حقوق الإنسان. والمرأة الكويتية، هي من قال الشعر، وكتب القصة، وكتب الرواية في الخليج العربي، ومارس الصحافة والنشر. وهي المرأة الخليجية، التي وقفت على خشبة المسرح الكويتي، وظهرت على شاشة التلفزيون ممثلةً، ومذيعةً، ومغنيّة. والمرأة الكويتية، هي المرأة الخليجية التي كافحت طوال 35 سنة، من أجل أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم، من نيل حقوقها السياسية والاجتماعية كاملة، رغم شراسة التيار الديني المتشدد. فما نالته المرأة الكويتية، ليس منَّة، ولا صدقة، ولا عطية، ولا هدية، إنما كان حقاً، شعرَ بشريعته حكام الكويت، وسعوا طيلة أكثر من ست سنوات لإقناع أعضاء مجلس الأمة للتصويت عليه. فكيف يمكن الاستفادة من هذه الدروس الكويتية في الديمقراطية، في بناء الديمقراطية العربية المتعثرة؟ * كاتب أردني  
Ad