تقرير اقتصادي: تردي الوضع السياحي في الكويت... ابحث عن إدارة الدولة

نشر في 28-02-2013 | 00:02
آخر تحديث 28-02-2013 | 00:02
No Image Caption
أعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين تغادر البلاد في العطل للسياحة... والكويت بحاجة إلى تنوع مصادر الدخل!
من المعلوم أن الكويت تعتبر الدولة الخليجية الوحيدة التي تجمع، من الناحية الاجتماعية على الأقل، بين المحافظة والانفتاح، وبالتالي يمكن أن تكون لدينا قبلة سياحية إذا توافرت القدرة والرغبة الحكومية.

في بداية عام 2001 أقرت اللجنة الفنية في المجلس البلدي تطوير جزيرة فيلكا لتصبح منطقة سياحية تتضمن بناء فنادق وسوق حرة ونواد للرياضات البحرية، وتتابعت بعدها التصريحات الحكومية عن إنشاء ميناء بحري ومطار صغير، او مد جسر يربط الجزيرة بالكويت، فضلاً عن اقامة انشطة ثقافية وتراثية سنوية، حيث تبلغ قيمة تطوير فيلكا نحو 800 مليون دينار.

وكان الحديث عندئذ مفعما بالتفاؤل عن تطوير الجزيرة حتى في التفاصيل الصغيرة مثل انشاء فلل سياحية بنظام البيوت العربية وفندق مطل على البحر وبحيرة صناعية ومتحف للشيخ عبدالله السالم والتراث الكويتي، إضافة إلى مصنع لصناعة الحلوى الكويتية واسطبل لتأجير الخيول.

 اليوم ونحن في 2013 يستطيع اي شخص ان يذهب الى فيلكا ليشاهد "الخرابة" في ما كان يعرف قبل سنوات بأحلى الجزر، اذ لم يتجاوز تطوير فيلكا اكثر من مجرد تصريحات وخطط حكومية على الورق.

فيلكا تعتبر مثالا واقعيا لسوء الوضع السياحي في الكويت، خصوصا اذا علمنا ان أعداداً كبيرة من المواطنين والمقيمين تغادر البلاد قبل كل عطلة رسمية، وكان آخرها مغادرة حوالي 200 الف شخص مع بدء العطلة الاسبوعية التي سبقت عطلتي عيدي الاستقلال والتحرير، في وقت يمكن أن يقضوا فيه العطلة في البلاد وينفقوا عشرات الملايين في الداخل، فقط لو توفر الحد الادنى من البنية التحتية من المرافق السياحية، وهذا الأمر يندرج أيضاً ضمن تنوع مصادر الدخل الذي تحتاج إليه الكويت.

وبنظرة سريعة على الشاليهات المتاحة للتأجير في الكويت، نجد أن عددها يتراوح بين 900 و950 شاليها، في حين تصل قوائم الانتظار في المنتجعات المحدودة إلى مئات الطلبات بأسعار تحددها ندرة العرض لا جودة الخدمة أو المنظر الخلاب، فضلاً عن عدم وجود جزر او مرافق تغطي الطلب على السياحة العائلية على الاقل.

ولعل مفهوم السياحة العائلية بحد ذاته يكون مفيداً جدا لنا، فمن المعلوم ان الكويت تعتبر الدولة الخليجية الوحيدة التي تجمع، من الناحية الاجتماعية على الأقل، بين المحافظة والانفتاح، لكونها خالية من النوادي الليلية وتمنع بيع الخمور، ولكنها في المقابل مجتمع منفتح غير متشدد دينيا أو اجتماعيا، وبالتالي يمكن ان تكون لدينا قبلة سياحية إذا ما توافرت القدرة والرغبة الحكومية في فتح المجال لإقامة مشاريع سياحية متنوعة.

الأحوال الجوية

ثمة من يقول، حتى في دوائر اتخاذ القرار، إن الحديث عن السياحة العائلية أو غيرها في الكويت في ظل حرارة الطقس لا معنى لها، فالأحوال الجوية تمنع السياحة لدينا.

غير أن الرد على هذا الكلام يتلخص في ان الطقس السيئ واللاهب في الكويت لا يتعدى 3 إلى 4 أشهر في السنة، كما ان المدن المحيطة بالكويت كدبي وقطر والبحرين نجحت في التحول إلى وجهات سياحية للعائلات وليس فقط للشباب، رغم ان الظروف الجوية فيهما ليست بأفضل حالاً من الكويت، فضلا عن وجود طلب اصلا في السوق الكويتي بإمكانه تغطية المعروض من العرض السياحي المحلي... لو توافر.

وبالتالي فإن التجارب السياحية الخليجية الناجحة في دبي وقطر مثلا يمكن ان تتكرر في الكويت، بل يمكن ان يتم تجاوزها خصوصا مع اشراك القطاع الخاص الكويتي الذي كثف خلال السنوات الأخيرة من عمليات الاستثمار السياحي والفندقي خارج الكويت، فأسس عددا من المشاريع السياحية الناجحة في الخليج وآسيا وافريقيا.

ومن المفيد التذكير بأن الحكومة، ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار، تتولى في الكويت نصيب الأسد من قطاع الخدمات السياحية عبر استملاكها الكامل لشركة المشروعات السياحية والتي تسيطر على العديد من المرافق والأراضي المرخصة للسياحة، ولكنها وقعت تحت طائلة البيروقراطية الحكومية التي أجلت تخصيص الشركة منذ عام 2005 إلى أجل غير محدد!

وفي الحقيقة، فإن شركة المشروعات السياحة تمثل احد نماذج فشل الادارة الحكومية خصوصا في السنوات الاخيرة، فلم تعد الشركة مبادرة، كما كانت في الثمانينيات، حينما افتتحت المدينة الترفيهية فكان حدثا خليجيا مبهرا تبعه افتتاح منتزه الخيران وغيرهما من الحدائق والفعاليات التي كانت تتناسب مع طبيعة الخدمات السياحية في ذلك الوقت.

واقع مخجل

اليوم واقع هذه الشركة مخجل الى حد كبير، إذ لم تبتكر منذ تحرير الكويت اي مشروع سياحي جديد رغم ان صناعة السياحة عالميا تطورت بشكل لافت خلال الــ22 عاما الماضية، لدرجة ان المدينة الترفيهية مثلا باتت تعمل بنصف طاقتها التشغيلية، إلى جانب انها لم تضف اي لعبة جديدة منذ سنوات.

وكما هو واضح فإن مسألة سوء إدارة الدولة للقطاع السياحي باتت ماثلة لمعظم المهتمين في هذا القطاع، ولذلك يجب أن يتحول دورها من مالك أو مستثمر الى منظم ومشرف على شركات تتولى إدارة وتنظيم القطاع السياحي بعيدا عن الاحتكار، فالدور السليم لأي دولة هو الإشراف على النشاط الاقتصادي لا الاستثمار فيه.

إن تطوير القطاع السياحي في الكويت سيمنح الدولة إيرادات غير نفطية، كما انه بشكل غير مباشر سينشط من حركة التجارة الداخلية عبر توطين الدينار الذي يغادر الكويت كلما سنحت أي فرصة أو عطلة، فضلا عن ان المرافق السياحية ستستقطب اموال السياح الخليجيين، مما سيسهم في دعم الحركة التجارية والاقتصادية بشكل عام.

back to top