كلما وقعت جريمة مروعة تهز المجتمع الكويتي يخرج علينا بعض المعنيين بالشأن العام والمتخصصين في القانون والأمن ليرجعوا أسباب تفشي الجريمة إلى عدم سرعة إصدار الأحكام وتنفيذ أحكام الإعدام منها على الفور، وهي اجتهادات تعبر عن طبيعة أهل المنطقة وثقافتنا التي تعظم الانتقام وترى في سفك الدم تطهيراً للذنب والخلاص الروحي، وهي التبريرات التي توالت بعد جريمة "المارينا مول" الأسبوع الماضي التي ذهب ضحيتها شاب كويتي في العشرينيات من العمر في حادثة هي الثانية من نوعها في أقل من عام في المجمعات التجارية الكبرى، والتي كانت نتيجة لتداعيات مشاجرة شبابية.
هذه الأسطوانة المتكررة مع كل جريمة بتحميل تأخر القضاء في إصدار الأحكام وتنفيذها مسؤولية تفاقم تردي الأوضاع الأمنية، غير صحيحة وتصدر غالباً لإخلاء مسؤولية الأجهزة الأمنية عن تلك الأوضاع المتردية، في وقت يكررها البعض الآخر عن حسن نية وعدم دراية، فالكويت من أعلى الدول التي تنفذ أحكام الإعدام في السنوات الأخيرة، وكان آخرها قبل أقل من ثلاثة شهور عندما أعدم ثلاثة مدانين في يوم واحد، وهو أمر نادر الحدوث عالمياً، كما أن وسائل الإعلام تنقل تلفزيونياً حدث تنفيذ أحكام الإعدام في مراسم شبه كرنفالية، وتتصدر صور المحكومين وهم معلقون على المقصلة الصحف الكويتية، وهي مشاهد مروعة لا تتفق مع معايير حقوق الإنسان وأخلاقيات الممارسات الصحفية الدولية، ورغم ذلك لم يتراجع معدل الجريمة. والحقائق تقول إن المحاكم الكويتية أصدرت عام 2012 أربعة عشر حكماً بالإعدام و114 حكماً بالمؤبد، ونفذ في الشهور التسعة الأولى من هذه السنة خمسة أحكام بالإعدام، وهو ما يدحض حجة أن تأخر الأحكام سبب المشاكل الأمنية، كما أن التجارب العالمية تقول إن أكثر دولتين في تنفيذ أحكام الإعدام هما على التوالي جمهورية إيران الإسلامية والجمهورية العراقية، فهل قضت طهران على مشكلة المخدرات المنتشرة بشدة هناك؟ وهل وفرت بغداد الأمن لمواطنيها عبر الإعدامات المتواصلة أم أن الأمر يزداد سوءاً؟! الواقع ولب المشكلة أننا في الكويت نعاني غياب رجل الأمن المدرب المتمكن والمجهز في الشارع والسوق والمجمع التجاري، وفقدان هيبته وعدم وجود خطط أمنية شاملة. وقد تكون مدينة الكويت من المدن النادرة التي لا توجد فيها دوريات راجلة في الأسواق والأماكن العامة، فضلاً عن عدم تطوير التشريعات لحماية رجل الأمن ومكافحة الشغب ومواجهة الاستهتار والتطاول على أمن وحرية الناس في الأماكن العامة وتجريم حمل السلاح الأبيض فيها واتخاذ إجراءات حازمة ضد المستهترين. واللافت أنه عندما وقعت جريمة "المارينا" خرج عشرات من رجال الأمن للقبض على الجناة وبعد أن أتموا المهمة عادوا إلى مكاتبهم أو دورياتهم المتحصنين فيها وتركوا العمل الميداني. تجربة ولاية نيويورك الأميركية مع الجريمة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مؤلمة إلى أن أتى المدعي العام وعمدة المدينة لاحقاً رودولف جولياني (2001-1994) فشارك في محاكمات عصابات الجريمة المنظمة، وبعد ذلك طهر جهاز الشرطة وأنشأ نظام دوريات راجلة وآلية ورجال أمن متخفين يغطي مدينة نيويورك الضخمة بمتنزهاتها وأسواقها وكل مرافقها على مدار الساعة، فكافح الجريمة وأعادها إلى مستوياتها العادية، علما أن عقوبة الإعدام ممنوعة في نيويورك بينما ولاية تكساس التي تنفذ تلك العقوبة تعاني أعلى نسب في الجريمة! وأنا هنا لا أدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام في الكويت، بل أشير إلى أن موقع الخلل لدينا في مواجهة الجريمة يقع في جهازنا الأمني لا في السلطة القضائية، فهل يصلح قائد جهازنا الأمني الجديد-القديم خلل الجهاز ويعيد إلى الديرة أمنها وأمانها؟!
أخر كلام
«الإعدام»... لن يحقق الأمن!
03-10-2013