لا نجاح بلا ثقة وبلا حوار!

نشر في 28-02-2013
آخر تحديث 28-02-2013 | 00:01
 د. ساجد العبدلي أؤمن كثيراً أن الثقة، وقبل أي عنصر آخر، هي أهم عنصر لنجاح أي علاقة إنسانية، مهما كانت طبيعة هذه العلاقة. أقول هذا لأنه عندما تنعدم الثقة أو تتضاءل بين طرفي العلاقة، أو من واحد منهما تجاه الآخر في البداية على الأقل، سيخلف الأمر دائما فراغاً نفسياً مُرَّاً وتساؤلات فكرية لاسعة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يظل فارغاً أو أن تبقى بلا إجابات، بل سرعان ما سيملأ هذا الفراغ ويجيب عن هذه التساؤلات الشك والأفكار الشاطحة وسيلفها جميعا القلق والتوتر.

ومن المحتم أنه حين يتسرب الشك والتوتر المستمر والقلق المتواصل إلى نسيج ويتغلغل في أوصال أي علاقة إنسانية، فسرعان ما ستبدأ هذه العلاقة بالتآكل والتهتك والتفتت، حتى نجدها وقد وصلت إلى حالة من الفساد التام لن يكون بعدها إلا النهاية المحتمة المتمثلة بالافتراق وربما العداء.

ومن أخطر وأقسى سيئات الشك حين يبدأ في أي علاقة إنسانية، وعندما تبدأ أماراته وعلاماته بالظهور في مسيرة هذه العلاقة، أنه يخلق شكاً مضاداً في الغالب، وكأن الطرف المشكوك به أولاً يسارع لاتخاذ موقف دفاعي، لا شعوري ربما، على الطريقة الشهيرة لكرة القدم من أن "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم"، لتضيع حلاوة العلاقة، بل لتنتهي برمتها على وقع جولات محمومة وسلاسل طويلة لا تكاد تنتهي من تصيد الأخطاء وتتبع العثرات، وربما استراق السمع والتلصص والتجسس بأشكال وطرق مختلفة!

الظريف أن هذا الأمر لا ينطبق على العلاقات الإنسانية الفردية فحسب، بل حتى على العلاقات السياسية بين الأحزاب المختلفة، وبينها وبين الحكومة، على سبيل المثال، فبدون وجود أرضية من الثقة وحد أدنى من الإيمان بمصداقية الطرف الآخر فيما يقول ويفعل، سيصعب العمل والتعامل معه ويصبح التشكيك والتخوين هو اللغة السائدة طوال الوقت، لتبدأ النزاعات والصراعات ولا تنتهي أبداً.

لا علاج للشك إلا بالمكاشفة والحوار المباشر، بشرط أن تقدم الأطراف على هذا الحوار الشفاف وهي راغبة أساساً في الوصول إلى حل يرضيها جميعاً، أو أن تكون مدركة على الأقل وقد قررت ما تريد الوصول إليه من جراء هذا الحوار الصريح وهذه المكاشفة وعلى استعداد مسبق لدفع ثمن قرارها هذا مهما كان بالغاً. وبطبيعة الحال، فإن الرغبة في الوصول إلى الحل المرضي لجميع الأطراف سيستلزم شيئاً من تنازلات، من هذا الطرف وذاك الطرف، لأن التمسك بالرأي الأوحد وعدم الاعتداد بغيره وعدم القبول بفكرة التفاوض الموضوعي على أي صيغ وسيطة تفيد الطرفين، ما هو إلا إعلان مباشر بإلغاء الطرف الآخر وتجاوز أهميته وقيمته، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يقبله هذا الطرف طبعاً.

مدهش كيف أن العلاقات الإنسانية تشابه العلاقات السياسية في هذا الجانب، على الأقل في جزئية أنه لا يمكن لها أن تنجح في ظل وجود الشك الدائم، وفي ظل عدم الرغبة بتقديم شيء من تنازلات، وفي ظل عدم الرغبة بالتعاون مع الطرف الآخر بقدر المستطاع حتى يمكن للمركب أن يسير إلى الأمام.

لنتحاور ونتكاشف يا سادتي على كل المستويات حتى يمكن لنا أن نعيش ونتعايش وننجح ونسعد.

back to top