ما عاد طيف الحب يحملنا

Ad

إلى همس المشاعر

كالخبز، كالفستان، أو مثل السجائر

أما أنا...

فقد كنت أحمل في حنايا الروح

يوماً... قلب شاعر

* فاروق جويدة

تكريم الشاعر المصري فاروق جويدة بمنحه جائزة مؤسسة البابطين عن مجمل أعماله، يأتي تتويجا لمرحلة ثقافية مهمة من عمر الشعر العربي، ربما كان جويدة هو أحد أبطالها بامتياز، فقصائده التي ذاعت وانتشرت إبان فترة الثمانينيات من القرن المنصرم ليس في مصر فحسب، بل حتى في منطقة الخليج العربي، تصوّر ببراعة ذات خصوصية، مشاعر ووجدان ذلك الجيل، من الشباب على وجه الخصوص، الذي كان يميل إلى الاسترخاء والتأمل الوجداني، الهامس، كالغدير ينتقل سلسا ورقراقا، في النفس الحالمة، الحالمة بكل ما هو يانع و"رومانسي" مغلّف بالحزن الأخضر الشفيف.

لذا فقد نجح جويدة في إدراك ما تتطلبه الذائقة آنذاك، فأصدر عدة دواوين ذات نفَس شعري واحد، و"ثيمة" مشتركة، تحوم حول الحب، والضياع، ولوعة الاشتياق، وغدر المدينة، وجفائها، وقسوة الحياة، التي تجعلك ترى آلاف الجوعى، والمشردين في الشوارع، وفي الوقت الذي كان جديرا بالمدينة أن تلمّ شتات هؤلاء وتؤويهم، نجدها تعمّق جراحهم، فجويدة هنا ناقم على المدينة، التي انتقل إليها يانعاً، وأدرك أن لها مخالب هي أقسى، بكثير مما يتحمله إنسان القرية البسيط، فأصدر ديوانه الشعري "حبيبتي لا ترحلي"، الذي وجد نجاحا كبيرا، وتوالت طبعاته سريعا، وفي فترة زمنية محدودة.

بعد نجاح جويدة في ديوانه السابق، وجدناه يتبع الأسلوب ذاته في اعماله التالية، فأصدر بعدها على التوالي: "ويبقى الحب، وللأشواق عودة، في عينيك عنواني، دائما أنت بقلبي، لأني أحبك، شيء سيبقى بيننا"، ومن يتأمل العناوين السابقة يدرك الأرضية التي يبني عليها جويدة قصائده، وهي مساحة لا يمكن لغيره اللعب فيها، لذا لم نجد في جيل الثمانينيات من الشعراء من ينحو هذا المنحى في الكتابة الشعرية، التي تتمثل في السهل الممتنع، حتى أن قراءه باتوا من شريحة معينة، ليست "نخبوية" بالمعنى الذي تتناقله الكتابة النقدية، لكنها شريحة لا يستهان بها، وقد أدركت بعض المطبوعات، والمجلات آنذاك جماهيرية فاروق جويدة "غير النخبوية" فوجدناه مستكتبا في عدد من الصحف، والمجلات، ذات الطبيعة الاجتماعية، فعلاقة جويدة بجماهيره، تشبه في بعض الأحيان ما كان يتسم به الشاعر الراحل نزار قباني، الذي وصل إلى القلوب بالكلمة "الأفقية" السهلة، ذات الإغراق في وصف المشاعر، مع بعض الفروقات بين الشاعرين، فنحن لسنا في صدد المقارنة بينهما، بقدر ما نشير إلى "أرضية مشتركة" جمعت بينهما.

لذا نجد من الكتاب من ينتقد جويدة لسهولة كلمته، وبُعد قصائده عن التعقيد الأسلوبي، والمضموني في الوقت ذاته، وهو حق مشروع لهؤلاء، فمن يهوى الأسطورة في قصائد السياب، أو رمزية أمل دنقل، أو تلك اللغة المعقدة، في شعر عفيفي مطر، لا يمكن له الانسجام مع "بساطة" القصيدة لدى جويدة، لكنه التنويع الأسلوبي الذي يميز القصيدة العربية، ويميز كل شاعر عن الآخر، لذا أرى أن مؤسسة البابطين كانت محقة لمنح الجائزة لهذا الشاعر الذي تفرّد بلونه الشعري، حتى وإن اختلفنا مع هذا "التفرّد"، فلدى جويدة قناعاته الشعرية، وتاريخه الطويل، الذي جعله أحد الشعراء المُحاطين بشعبية كبيرة، قبل هذا وذاك الممثلين لمرحلة وجدانية هامة، لم تكن تعرف تعقيدات المرحلة الراهنة للقصيدة.

أما بالنسبة إلى مسرحياته الشعرية، فقد كانت امتدادا طبيعيا للحس "الدرامي" في قصائده، ذات المضامين الحكائية، المرتكزة على المناجاة، والحوار مع الوالدين، والصلاة في الحسين، وفداحة الذنوب، وقسوة المدينة، كل ذلك يخلق إحساسا بالمرارة، وديناميكية في الحدث.