يأتي كتاب جمال دملج {أصنام صاحبة الجلالة} في إطار محاولة تقديم إجابات حول أسئلة تطرح في وسائل الإعلام، أبرزها: كيف يمكن بناء منظومة إعلامية عربية نزيهة ومستقلّة في ظلّ استشراء وباء {العولمة الصحفية} الناجم، في الأساس، عن النتائج التي ترتّبت على قيام الولايات المتحدة الأميركية بالتحكّم عن بُعد في آليات العمل المعلوماتي، لأجل تسويق سياساتها ومصالحها، على حساب سياسات ومصالح الآخرين، وربّما على حساب آمالهم وأحلامهم؟

Ad

ظلَّ هذا السؤال يتردّد بإلحاح في الوسط الإعلامي العربي على مدى سنوات طويلة، بدءاً من صعود نجم محطّة {سي إن إن} الأميركية في غمرة تداعيات الغزو العراقي للكويت وعمليّة {عاصفة الصحراء} في بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم، مروراً ببروز ظاهرة افتتاح الفضائيات العربية وانتشارها خلال العقد نفسه وما تلاه من عقود، ووصولاً إلى الجدل الذي تثيره هذه الفضائيات في يومنا الراهن على خلفية الشكوك التي تراود مشاهديها حول الطريقة التي تقوم على أساسها تغطياتها الإخبارية في غمرة تداعيات الحالة الناجمة عن {ربيع العرب».

يقدّم الكاتب في {أصنام صاحبة الجلالة} سرداً مفصّلاً لكثير من الأحداث التي شهدها التاريخ المعاصر، بدءاً من نشأة الكاتب في لبنان ومشاهداته الجريئة حول مسؤولية سورية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، مروراً بالدور الذي أدته الولايات المتحدة الأميركية في تقسيم جزيرة قبرص، وحيثيات وقوفه ضدّ الماكينة الإعلامية الغربية خلال تغطياته الميدانية لكلّ من الغارات الأميركية ـ الأطلسية على يوغسلافيا عام 1999، والحرب الروسية في الشيشان عام 2000، والحرب على الإرهاب في أفغانستان عام 2001، ثمّ في الصومال عام 2002، وغزو العراق عام 2003، ووصولاً إلى قراءاته البراغماتية للمشهد الروسي في ضوء وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى سدّة الحكم في قصر الكرملين في اليوم الأوّل من أيّام القرن الحادي والعشرين، فضلاً عن توقّعاته بشأن المشهد المستقبلي العربي في ضوء {فورة ربيع العرب} التي دفعته إلى اعتزال العمل التلفزيوني منذ مطلع عام 2011 احتجاجاً على عدم نزاهة الإعلام العربي في التعاطي مع هذه الفورة، وذلك بأسلوب شيّق لا يوحي بالتركيز على سيرته المهنية الشخصية.

على مدى 35 عاماً عمل جمال دملج بصفة مراسل ميداني متجوّل لدى مؤسسات كبرى أبرزها {إم بي سي} و{بي بي سي} و{الجزيرة} و{أبو ظبي} و{العربية}، قبل أن يترأس إدارة الأخبار في كلّ من قناة {صانعو القرار} وتلفزيون {أورينت}، ويحاول تأسيس ماكينة إعلامية عربية تخرج عن فلك سياسات الماكينة الإعلامية الغربية، وإنّما من خلال إجراء مقارنات واضحة بين مشاهداته حول الأحداث التي قام بتغطيتها وبين الطريقة التي سوّقت بها المنظومة الإعلامية الغربية تلك الأحداث بما يخدم سياساتها ومصالحها، بغية التأكيد على شراسة دور هذه المنظومة في مجال تزييف الحقائق وقلب الموازين في العالم، وتحويل الجزّار إلى ضحيّة والضحيّة إلى جزّار، وذلك كلّه انطلاقاً من إيمانه الراسخ والعميق بأنّ الصحافي، وفقاً لما قاله ألبير كامو، هو مؤرّخ اللحظة، ويفترض أن يكتب تاريخاً نظيفاً.

روسيا

المشهد السياسي الروسي في ضوء التطوّرات الإيجابية التي استجدت عليه منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحكم في قصر الكرملين عام 2000، بكلّ آفاقه الداخلية والخارجية، أخذ حيّزاً كبيراً من كتاب {أصنام صاحبة الجلالة}، وبنى عليه المؤلّف قراءة براغماتية للأسس التي يفترض أن تقوم عليها السياسة التي تقوم في الأصل على مبدأ الأخلاق. والمعروف أنّ جمال دملج أمضى ثلاث سنوات من حياته المهنية في العاصمة الروسية موسكو، قام خلالها بتغطية ميدانية للحرب في الشيشان، مركّزاً على إقناع المشاهد العربي بأن هذه الحرب لا تحمل أي طابع ديني موجّه ضد الإسلام، بل هي حرب ضدّ الإرهاب المتمركز في شمال القوقاز الذي أودى بحياة ضحاياه من المدنيين الروس. كذلك دعا الدول العربية منذ عام 2000 إلى الاستثمار سياسياً واقتصادياً في روسيا، وكان أوّل من أطلق في ذلك العام مصطلح {البوتينية} نسبة إلى ركائز العقيدة السياسية التي يقول في كتابه إنّ الرئيس فلاديمير بوتين أرسى دعائمها في اليوم الأوّل من أيام القرن الحادي والعشرين عندما دعا إلى إقامة عالم متعدّد الأقطاب.

يقع كتاب {أصنام صاحبة الجلالة} في 306 صفحات من القطع الوسط، ويتألّف من عشرة فصول تجعله مرجعاً مهماً للعاملين في الميدان الإعلامي، كذلك للمهتمّين بالشأن السياسي في المجالين العربي والدولي.