تكميم كلاب الحرب
القادة الذين يحتاجون إلى دعم شعوبهم من أجل التعامل مع مشكلات معقدة ومترابطة خارج حدودهم يجب أن يقوموا بتعويد شعوبهم على عالم القرن الحادي والعشرين الذي يقتضي بأن الاهتمام بدون فعل أو تحرك يعرضنا جميعا للأخطار.
لقد جلس أول سفير للولايات المتحدة الأميركية في فرنسا توماس جيفرسون في باريس يفكر في كيف يمكن للحكومة الأميركية أن تتجنب أخطاء الطغاة الأوروبيين الذين قهروا شعوبهم وخاضوا بهم في مآسي الحروب والديون، حيث ذكر في رسالته لجيمس ماديسون أن الدستور الأميركي تمكن على الأقل من كبح جماح "كلب الحرب" عن طريق نقل "سلطة إطلاق العنان له من السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية، أي من أولئك الذين يصرفون الأموال إلى أولئك الذين يدفعونها".لكن في الوقت نفسه، فإن الدستور يعين المسؤول التنفيذي "قائداً للقوات المسلحة"، وهي سلطة استخدمها الرؤساء الأميركيون من أجل استخدام القوة العسكرية بدون تفويض الكونغرس لأكثر من 200 مرة. لقد اعتمد الرئيس باراك أوباما على تلك السلطة عندما أخبر الكونغرس والشعب الأميركي أن لديه السلطة بتوجيه ضربات محدودة لسورية بدون الرجوع إلى الكونغرس.
إن قيام أوباما بالتأكيد على هذه السلطة والسعي للحصول على تفويض الكونغرس بشكل متزامن يعني أن أوباما هو واحد من مجموعة صغيرة من القادة الذين سعوا إلى الحد من قوتهم الذاتية. السبب في ذلك أن أوباما يرى أن إرثه التاريخي يتمثل بأنه الرئيس الذي أنهى حروباً وجعل من شن حروب أخرى أمراً أكثر صعوبة، وقام عوضا عن ذلك بإعادة استثمار موارد أميركا ضمن نطاق شعبها. لقد عارض أوباما الحرب على العراق سنة 2003 ووعد سنة 2008 أنه سينهي "الحرب على الإرهاب" غير المحددة بزمن التي أصبحت بمنزلة "شيك على بياض" للرؤساء الأميركيين من أجل استخدام القوة في أي مكان في العالم.لكن لو نظرنا إلى ما هو أبعد من نظام "الضوابط والتوازنات" الذي أنشأه الدستور الأميركي هل من المنطقي أن يقوم القادة بتحويل القرارات المتعلقة باستخدام القوة للشعب؟ من المؤكد أن هذا يزيد من صعوبة عمل القادة. لقد انهزم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأغلبية بسيطة عندما لجأ إلى البرلمان للموافقة على المشاركة البريطانية في الضربات الأميركية ضد سورية، وواجه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند انتقاداً شديداً من الأحزاب اليمينية في الجمعية الوطنية (البرلمان) لموافقته على المشاركة في الضربات، أما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي تطوع للمشاركة في التحالف العسكري، فإنه يواجه معارضة محلية قوية لسياسته المتعلقة بسورية.هناك عدة حجج من أجل عدم السماح لممثلي الشعب بالتدخل في رقصة السياسة الخارجية المعقدة بين القوة والدبلوماسية. بادئ ذي بدء، هناك فكرة تقليدية بأن حدود السياسة تنتهي عند حافة المياه، أي عندما يفترض أن تفسح الخلافات المحلية الفوضوية المجال لتجريد الدولة من مصالحها الوطنية المشتركة.إن من الحجج ذات الصلة هي أن العملية السياسية المحلية يمكن أن تعيق عمل الحكومة في لعبة السياسة الدولية التي تشبه لعبة البوكر أو الشطرنج، وكما اكتشف أوباما، فإن المجلس التشريعي، الذي لا يريد بوضوح الذهاب إلى الحرب، يضعف من سلطة المسؤول التنفيذي في المفاوضات الدولية.ويعتبر التوقيت مشكلة أخرى في هذا السياق، فالعملية التشريعية عادة ما تكون بطيئة وشاقة بينما يمكن أن تتغير الدبلوماسية العالمية بين عشية وضحاها بسبب تغير التحالفات، والفرص غير المتوقعة، والفخاخ المخفية جيداً.إن الدبلوماسية عادة ما تعتمد في نجاحاتها على صفقات خلف الكواليس مثل تلك الصفقة التي عقدها وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أخيراً بشأن أسلحة سورية الكيماوية. ولعل آخر ما يريده اللاعبون في المفاوضات المهمة والحساسة وجود جدل عام يتعلق بأوراق اللعب التي بحوزة كل طرف من أطراف التفاوض. إن التهديد بالتحول من المحادثات الى الدبابات يجب أن يكون ذا مصداقية، ولكن هذا لن يحدث لو أن اللاعب الآخر يستطيع بكل بساطة أن يحصي الأصوات لمعرفة ما إذا كانت الأغلبية التشريعية المطلوبة موجودة فعلاً. لكن مع كل هذا فإن جيفرسون كان محقاً، وبالرغم من أن اللجوء إلى البرلمان يمكن أن يكون غير مريح ومحبطاً حتى إنه قد يعطي نتائج عكسية، فإنه يبقى العمل الصائب لثلاثة أسباب: أولاً، إن استخدام القوة مكلف بالنسبة إلى حياة البشر والأموال وطاقة القادة وتركيزهم والشعوب تدفع تلك الأعباء، وعليه يجب على ممثليهم أن يقرروا ما إذا كان يتوجب عليهم تكبدها.ثانياً، إن أهمية اتباع الدول الديمقراطية لإجراءاتها ومبادئها تصبح أكثر إلحاحاً عندما يتعلق الأمر بصراع مسلح يتضمن دولاً غير ديمقراطية، فالشعب السوري الذي يتعرض للقمع الوحشي من حكومته يجب أن يدرك أن الشعب الأميركي لديه علاقة مختلفة مع قادته.أخيراً، من العناصر الرئيسة للديمقراطية توافر مجموعة من القواعد والإجراءات المصممة لمطالبة المسؤولين الحكوميين بتبرير سياساتهم بأسباب يمكن قبولها أو مردود عليها في النقاشات العامة، وعندما يفكر القادة في التدخل العسكري يجب عليهم تبرير أفعالهم وتوضيحها بطريقة تبين كيف أن المصالح الاستراتيجية والأخلاقية لبلدانهم على المحك- على سبيل المثال كيف يمكن للعدوان اللامحدود والمعاناة البشعة أن تزيد وتنتشر.إن القادة يفضلون الحديث بلغة المصالح التي يسهل تقديرها وإحصاؤها، فالكلام عن الاهتمام والتردد الأخلاقي حديث لا يبعث على الراحة، وكما قال المحلل السياسي التركي مصطفى أكييول نيابة عن معظم الشعب التركي "إن الاهتمام بسورية لا يترجم إلى: دعونا نذهب ونحررها"، لكن القادة الذين يحتاجون إلى دعم شعوبهم من أجل التعامل مع مشكلات معقدة ومترابطة خارج حدودهم يجب أن يقوموا بتعويد شعوبهم على عالم القرن الحادي والعشرين الذي يقتضي بأن الاهتمام بدون فعل أو تحرك يعرضنا جميعا للأخطار.مثل هذه الحجج لا تعني أن القادة لن يستخدموا القوة من حين إلى آخر بدون اللجوء الى شعوبهم أولاً، فأوباما لديه السلطة الدستورية من أجل القيام بضربات عسكرية محدودة لردع الرئيس السوري بشار الأسد والحد من قدرته على استخدام الأسلحة الكيماوية، وجميع القادة والرؤساء بإمكانهم ان يأمروا قواتهم بالدخول في معركة في حالة الطوارئ على المستوى الوطني أو في حالة الدفاع عن النفس، ويجب أن يحافظوا على قدرتهم القانونية والعملياتية من أجل التصرف بسرعة وحزم عند الضرورة.لكن بعد قرنين من زمن جيفرسون، لم تعد البلدان مجرد أشكال ملونة على الخارطة، فقد أصحبت بشكل متزايد مناطق شفافة ومفتوحة ننظر إليها على أنها وطن لملايين من إخواننا البشر، وهكذا فإن من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يقوم شعب بلد ما بالمشاركة في قرار مهاجمة شعب دولة أخرى.* آن ماري سلوتر | Anne-Marie Slaughter ، رئيسة تنفيذية لمؤسسة "نيو أميركا"، وهي أستاذة في السياسة والشؤون الدولية في جامعة برنستون.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة«