سورية تتحول إلى «مشكلة من جهنم»!

نشر في 15-06-2013
آخر تحديث 15-06-2013 | 00:01
كلما طال الصراع في سورية ازداد احتمال وقوع حدث خطير كبير جديد، مثل صراع إسرائيلي-سوري، أو استخدام الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع، أو حدوث بعض المجازر والفظائع التي تفوق ما شهدناه حتى اليوم.
 فوراين بوليسي أخبر فؤاد عجمي، باحث في شؤون الشرق الأوسط، شبكة «سي إن إن» خلال حوار معه في مخيم للاجئين في تركيا أن باراك أوباما سيندم على رفضه استخدام القوة الأميركية في سورية، تماماً كما شعر بيل كلينتون بالأسف لأنه لم يتدخل ليوقف أعمال الإبادة في رواندا.

لا شك أن سورية باتت كارثة وفق كل المعايير، إلا أنها مختلفة عن رواندا، حيث قُتل نحو 800 ألف من التوتسي في غضون ثمانية أشهر، كذلك لا تُعتبر كارثة أوباما، بمعنى أنه ليس مسؤولاً عما يدور فيها لأنه رفض التدخل.

لا يتفادى أوباما التدخل لأنه غير مبالٍ، أو غير كفء، أو غير متعاطف مع الشعب السوري، بل لأن الخيارات المتوافرة له ليست سيئة فحسب، بل مريعة، ومن المؤكد أن سورية باتت كارثة، لكن التدخل غير المتقن قد يزيد الطين بلة، خصوصاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

ما زال ما عانته الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق يحوم بوضوح في أفق الصراع السوري، ولا تقتصر أوجه الشبه التي يجب أن نتنبه إليها على إنزال الجنود على الأرض، بل تشمل أيضاً التأمل في الوسائل الضرورية لتحقيق الغاية المنشودة. يُعتبر السؤال الأهم في المسألة السورية: كيف يمهّد تبني الولايات المتحدة دوراً عسكرياً في سورية (من خلال تسليح الثوار، أو إنشاء منطقة حظر جوي، أو حتى شنّ هجمات عسكرية) الطريق أمام التوصل إلى نتائج إيجابية؟

حتى لو سقط الأسد، ماذا يجعلنا نظن أن المعركة في سورية ستنتهي؟ فعقب سقوط النظام، قد تتوسع الحرب السورية: فتواصل الميليشيات العلوية القتال، وتتقاتل مجموعات المعارضة في ما بينها على السلطة. كذلك لن تكفّ القوى الأجنبية عن التدخل في الشأن السوري على أمل أن تبسط سيطرتها على النظام الجديد. وإذا رغبت الولايات المتحدة في المشاركة في هذه الحرب، فليكن، إلا أن التجربة تُظهر أننا لا نستطيع تحقيق الفوز في حلبة مماثلة.

لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة لا تستطيع التدخل عسكرياً في سورية، أو أن الخيارات المطروحة على الطاولة بالغة الخطورة. تكمن المشكلة في أن الخطوات التصاعدية التي تُدرَس راهناً لن تنجح من دون تدخل عسكري أوسع وأشدّ، فبعد أن تخفق خطوات الولايات المتحدة المحدودة في حلّ هذه الأزمة، سيجد أوباما نفسه أمام خيار بالغ الأهمية: يمكنه التراجع وإظهار أننا لا نملك الرغبة في المضي قدماً، أو يمكنه التصعيد. وفي هذا المجال، أوافق زميلي السابق، السفير ريان كروكر، رأيه، حين أكد أن كون المرء بلا شفقة أفضل من كونه بلا عقل.

لا شك أن هذه كلها أسباب وجيهة لتفادي التدخل في سورية، لكني أشك في أنها ستؤخذ في الاعتبار، فبحلول نهاية هذا الصيف، سيكون أكثر من 100 ألف سوري قد لقوا حتفهم على الأرجح في حرب أهلية مريعة لا يبدو أن نارها ستخبو قريباً.

بدأ الوقت ينفد

قد تتواصل الأزمة السورية بشكل من الأشكال طوال سنوات، إلا أن عهد أوباما سينتهي، ومن المؤكد أن إدراك الرئيس أن الوقت يمرّ، وأنه ما من ولاية ثالثة سترخي بثقلها على اتخاذه القرارات.

من المرجح أن التاريخ (عامل مهم بالنسبة إلى الرؤساء) سيحكم بقسوة على أوباما بسبب تردده، فمن منظارنا نحن اليوم، من السهل الاستنتاج أن سورية تشكل شركاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ولكن عندما ينتهي عهد أوباما، ستختلف عملية التقييم. سينسى الناس التفاصيل والظروف، ولن يروا سوى الجرحى والقتلى واللاجئين والدمار. سيرغبون في معرفة لمَ لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات إضافية أو لمَ لم تستطع ذلك؟ ولهذا السبب ستزداد الضغوط لاتخاذ خطوات ما. يُدرك أوباما أن سورية باتت اليوم محور ما يطلق عليه «الربيع العربي»، وأن إرثه سيعاني التقييمات السلبية التي لا تنفك تزداد اليوم إن لم يقدِم على خطوات ضرورية. إذن، هل يودّ أن يواجه الإرث ذاته كما الرئيس الديمقراطي الأخير، الذي أخفق في التدخل في رواندا والبوسنة أيضاً؟

ما من حلّ دبلوماسي وشيك

يبدو مسار الحرب الأهلية السورية محدداً، فلا ينتهي هذا النوع من الصراعات إلا مع انتصار أحد الطرفَين أو مع تدخل طرف ثالث لفرض إرادته.

اعتقد كثيرون منذ البداية أن النظام لن يصمد، ويعود هذا المنطق في جزء منه إلى أنه ما من حاكم مستبدّ آخر نجح في التصدي للربيع العربي، لكنه استند أيضاً إلى ما اعتُبر حسابات بسيطة: فقد بدا أن النظام يزداد ضعفاً والمعارضة تزداد قوة، ولا شك أن هذا الوضع كان سيبلغ ذروته في مرحلة ما، فيسقط نظام الأسد.

لكن هذا لم يحدث، بل نواجه اليوم حالة من الجمود العسكري أو بالأحرى حالة يزداد فيها النظام قوة، في حين أن المعارضة بدأت تخسر. رغم ذلك، ما من حل عسكري، على ما يبدو، ولا يمكن إنهاء هذا الصراع إلا من خلال صفقة سياسية. أعطت الأمم المتحدة السنة الماضية المسار الدبلوماسي اسماً: «عملية جنيف»، ويُعاد اليوم إحياء هذا المسار من خلال المشاركة الفاعلة للولايات المتحدة بقيادة وزير الخارجية جون كيري.

لكن احتمال أن تنجح عملية جنيف بعيد، وأود أن أقتبس كلمات الشاعرة إليزابيث باريت برونينع لأقول: «لنعدّد الطرق التي قد تخفق بها هذه العملية»: هل يضغط الروس حقاً على الأسد كي يتخلى عن السلطة؟ هل يقبل هذا الدكتاتور السوري بالتنحي، مع أن نظامه يحقق اليوم المكاسب العسكرية؟ هل من ممثل حقيقي يستطيع التكلّم باسم الثوار داخل سورية وخارجها؟ وهل يخاطرون بالقبول بوضع يبقى فيه الأسد في منصبه في الوقت الراهن؟

تكمن معضلة مؤتمر جنيف الثاني في أنه قد يفضي إلى وضع ترغب الولايات المتحدة في تفاديه، فإذا أخفقت السبل الدبلوماسية (أو عندما تخفق)، فسيتضح أنه ما من سبيل إلى وقف إراقة الدماء غير التدخل العسكري. نتيجة لذلك، يزداد الضغط على إدارة أوباما لإطلاق النار لا خوض المحادثات.

عودة السيدتين القويتين

يؤدي الأفراد دوراً بارزاً في صوغ رد فعل الحكومة الأميركية تجاه الأزمة الدولية، ومن المؤكد أن تعيين سوزان رايس مستشارة أوباما للأمن القومي وسامانثا باور موفدة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة يزيد احتمال التدخل في سورية.

رفع هذان التعيينان التوقعات العامة بشأن السياسة الخارجية التي تتبعها الإدارة الأميركية. حتى إنني فوجئت حين عنونت صحيفة «واشنطن بوست» عقب هذين الإعلانين: «أوباما يشير إلى مقاربة جديدة من الأمن القومي: دور أميركي أكبر في الخارج». وجاءت انعكاسات خطوة مماثلة واضحة: ثمة مسؤول جديد عن السياسة الخارجية.

دعونا نتوقف عند هذه الفكرة قليلاً. رايس سياسية ذكية، قوية، منضبطة، ويُقال إنها تميل إلى المخاطرة في سورية، لكنها تحتل اليوم منصباً جديداً. نتيجة لذلك، كثرت التوقعات بشأن مبادرات جديدة أكثر جرأة، وإذا أضفنا إلى ذلك تصميمها على إحداث فارق، تكون إحدى قطع أحجية التدخل قد وُضعت في مكانها الصحيح: تُعتبر رايس أقرب إلى الرئيس من أي مستشار آخر للسياسة الخارجية. وإذا انضمت إلى جوقة مَن مارسوا الضغوط في الولاية السابقة لاتخاذ خطوات أكثر جرأة (هيلاري كلينتون وديفيد بترايوس)، يكون أوباما قد حصل على نصيحة بالتدخل من شخص يثق به ويحترمه حقاً.

لا شك أن القمة موحشة، وتحتاج أحياناً إلى مساعدة أشخاص تثق بهم لتتخذ قرارات صعبة، وربما حظي أوباما اليوم بالمساعدة التي يريد.

أما السيدة القوية الأخرى، سامانثا باور، فوضعت كتاباً عن البلقان (وغيرها من عمليات القتل الجماعي) يُدعى A Problem From Hell «مشكلة من جهنم». وينطبق هذا الوصف أيضاً على سورية. فلن تُحَلّ هذه المشكلة من تلقاء ذاتها، بل ستزداد سوءاً على الأرجح قبل أن تتفاقم كثيراً.

أُريق الكثير من الدماء في سورية؛ لذلك يجب ألا نتوقع التوصل إلى تسوية سريعة من خلال المفاوضات، وكلما طال هذا الصراع، ازداد احتمال وقوع حدث خطير كبير جديد، مثل صراع إسرائيلي-سوري، أو استخدام الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع، أو حدوث بعض المجازر والفظائع التي تفوق ما شهدناه حتى اليوم.

لا شك أن قرع طبول الموت المستمر في سورية سيضغط على الولايات المتحدة لتتخذ خطوة ما، أي خطوة لوقف العنف، حتى إن لم تتوافر لها خيارات جيدة. في مطلق الأحوال، تبدو إدارة أوباما متجهةً نحو التدخل العسكري في سورية مع كل ما يحمله من مخاطر وتقلبات.

* آرون ديفيد ميلر | Aaron David Miller

back to top