مخطئ بحق من يظن أن مشكلة مطار الكويت الدولي تنحصر في ضيق المنشآت وتقادمها وتهالكها، لأن المشكلة وإن تضمنت هذا كله حتما وبلا شك، فإنها أكبر وأعقد من ذلك بكثير، وكلما أجبرتني دواعي السفر على المرور عبر مطار الكويت الدولي سواء عن طريق بوابة المغادرة أو بوابة الوصول وجدتني وكأني أنظر إلى حالة الكويت بأسرها وليس إلى حالة مطارها المدني الوحيد فحسب.

Ad

الكويت الدولة، أو سأقول الكويت الحالة، بما يعصف بها من طبقات من المشاكل تراكم بعضها فوق بعض، والتي هي مشاكل متشابكة لم تترك مجالا كبيرا أو صغيرا إلا شملته وتغلغلت فيه، ابتداء بسياسات الدولة خارجيا وداخليا، ومن ثم مروراً بالإدارة الحكومية في مختلف القطاعات، كالصحة والتعليم والأمن والمرور والأشغال العامة والبلدية، وكذلك تهالك البنى التحتية في كل مجال، انتهاء بانعدام قيمة القانون وتردي احترامه والالتزام به من قبل أغلبية الجمهور سواء من المواطنين أو المقيمين أو الوافدين على حد سواء. هذه الكويت الحالة يمكن أن يراها من يحب ومن لا يحب في مطار الكويت، وقد شملت حتى من لا يحب لأن الكل مجبر على المرور عبر مطار الكويت عندما يريد السفر جواً حيث لا يوجد منفذ بديل سواه ولا محيص عن تجرع مرارته وعكارته واحتمالها.

مطار الكويت الدولي، حين تقبل عليه الطائرات في النهار جوا لا يرى ركابها إلا قطعة من الأرض جرداء قاحلة عجز القائمون عليه حتى عن تشجيرها وزرعها، مطار قديم ضيق متهالك المنشآت والبنى التحتية يزدحم فيه المسافرون بالمودعين والعاملين فيه والزوار لمطاعمه والمراجعين لفروع البنوك وشركات الاتصالات والمحال المحشورة فيه حشراً. مطار تختنق مواقف السيارات فيه ليل نهار لضيقها ورداءة تخطيطها وسوء إدارتها على يد الشركة المسؤولة، ولا يكاد السائق يجد فيها موقفا لسيارته ولا حتى في مواقف الانتظار الطويل التي صارت مغلقة على الدوام، وعلى صاحب السيارة أن يتصرف فيرمي بسيارته حيثما يستطيع ولو فوق الرصيف أو في الأماكن الممنوعة. مطار تداخلت فيه صلاحيات وزارة الداخلية والإدارة العامة للجمارك والإدارة العامة للطيران المدني وشركة الخطوط الجوية الكويتية وغيرها، فصارت "سمك لبن تمر هندي" لا يُستساغ بل لا يُعرف شكله أو لونه أو طعمه فلا تدري إلى من تتجه إن أن أردت الاستفسار أو الشكوى. مطار لا يبتسم فيه العاملون إلا نادراً، ويغلب عليهم في العموم تعكر المزاج والتكشير في وجوه المواطنين ومثلها أضعاف مضاعفة في وجوه الوافدين. مطار فسدت حتى عمالته البنغالية فصارت تتلاعب على المسافرين في تسعيرة حمل الأمتعة، مطار لا يحترم فيه الناس قانون منع التدخين في الأماكن العامة فتراهم لا يتورعون عن التدخين في كل مكان، بمن فيهم رجال الأمن أحياناً، وكثيرة هي هذه الأحيان، مطار الكويت وباختصار مطار سيئ المبنى والمعنى، سيئ التنظيم والإدارة، سيئ الشكل والهيئة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أنتقد مطار الكويت بهذه الشدة وأنا ابن الكويت، فلست بذلك أمارس جلد الذات، ولست كذلك أنشر غسيل بلادي المتسخ على الملأ، لأن هذا الغسيل يراه كل من يزور الكويت ومن اللحظة الأولى حتى قبل أن تحط قدماه على أرض المطار، وإنما حسبي أن أضع إصبعي على جرح متقيح ملتهب طال مرضه ولا يراد أن يلتفت إليه!

مطار الكويت هو النموذج المصغر لحالة الكويت، وحين تعجز الإدارة الحكومية عن إقامة وإدارة وتنظيم مطارها، أول معالم واجهة البلد الحضارية للعالم بأسره، وهي لا تزال حتى اللحظة عاجزة عن ذلك وليس هناك من شيء عكسه في الأفق، فإنها عاجزة قطعا ومن باب أولى عن إدارة الدولة ككل، وهذا هو المختصر المفيد يا سادتي، رفعت الأقلام وجفت الصحف.