اقتصاديون لـ الجريدة•: تراجع الحكومة عن موقفها في شراء القروض ينافي مفاهيم العدالة وينشئ قيماً سلبية في المجتمع

نشر في 14-03-2013 | 00:02
آخر تحديث 14-03-2013 | 00:02
«يمس استقلال البنك المركزي ويستنزف أموال الدولة ويسيء للقطاع المصرفي»

قال السعدون إنه لا يمكن لأي بلد أن يربي القيم الإيجابية لدى مواطنيه، ويقوم بعمل يشبه إسقاط القروض. وقارن السعدون بين تعامل النرويج مع إيراداتها المحققة من النفط وبين تعامل الكويت مع إيرادات النفط، مبينا أن حكومة النرويج قامت بتحييد إيرادات النفط عن تمويل المالية العامة.

واعتبر بدر المخيزيم أن إسقاط فوائد القروض سيسفر عن ظلم وسيؤدي الى افتقار في العدالة الاجتماعية في استخدام المال، مؤكداً أن تأثيره سيكون سلبياً على الاقتصاد الكويتي وعلى المجتمع الكويتي بشكل عام.

«الجريدة» التقت عدداً من الخبراء والاقتصاديين واستطلعت آراءهم في قضية شراء الحكومة لقروض المواطنين، وكان التحقيق التالي:

السعدون: جريمة بحق الكويت

يرى الخبير الاقتصادي رئيس مجلس إدارة مركز الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون ان توجه الحكومة للموافقة على مقترح إسقاط فوائد القروض على المواطنين ما هو إلا جريمة ترتكب في حق الكويت، مشيرا إلى انه لا يمكن ان تسقط فوائد القروض تحت اي مبرر في زمن ترتفع فيه التكلفة، وسوف نصل ليوم لا نستطيع تغطية تكاليف ضرورة الضرورة.

وأضاف السعدون بقوله: "إذا كان هناك خطأ من قبل المقترضين او من قبل البنوك او من البنك المركزي، فيجب معالجته ولا يجب معاقبة الميزانية العامة للدولة"، لافتا إلى انه لا يجوز على الإطلاق مكافأة من اقترض ولم يقم بترتيب أموره، وبنفس الوقت معاقبة من لم يقترض، او الذي اقترض في حدود قدراته المالية.

وتابع قائلا انه بغض النظر عن التكلفة الحقيقة لتلك الفوائد، ولكن لا يمكن لأي بلد ان يربي القيم الايجابية في المواطن، ويقوم بحل القضية بهذا الشكل، مضيفا ان البعض ينظر إلى ان هذا البلد باعتباره ثروة يجب تصفيتها وهذا المبدأ مرفوض تماما، فيجب علينا وعلى الحكومة تسليم الكويت للأجيال القادمة أفضل مما عليها هي الآن.

وعن مدى تأثير إسقاط فوائد القروض على الاقتصاد، أوضح السعدون ان الجميع يعلم ان اعتماد الكويت على النفط كمصدر أساسي للدخل يمثل النسبة الكبرى من ايرادات الدولة وينبغي في موازاة أي إنفاق أن يكون هناك مصدر مماثل للدخل وليس من خلال استنزاف حقوق الأجيال المقبلة.

وقارن السعدون بين تعامل النرويج مع الايرادات المحققة من النفط وبين تعامل الكويت مع ايرادات النفط، مبينا ان حكومة النرويج قامت بتحييد إيرادات النفط عن تمويل المالية العامة لسببين، أولهما، حماية تنافسية الإنتاج السلعي والخدمي التقليدي من طغيان التدفق الكبير والسهل للنقد الأجنبي في اقتصادها، والاخر، تقديرها الصحيح بأن أموال البلد حق لسيل من أجيال قادمة، واستخدامها سرقة لهذا الحق، أما في الكويت، فتمول إيرادات النفط، في المتوسط، ما نسبته 90 في المئة من مصروفات الموازنة العامة، ويمثل النفط ومشتقاته نحو 66.7 في المئة من حجم الاقتصاد.

المخيزيم: الأفضل لمشاريع تنموية

وبدوره، أكد رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي سابقاً بدر المخيزيم أن قضية إسقاط فوائد القروض لم تكن مشكلة أبداً من الناحية الفنية، بل تم خلقها سياسياً إلى أن تم تضخيمها ووصولها إلى هذا الحجم، مشيراً إلى أنه ضد هذه الخطوة كون العدالة الاجتماعية غائبة عنها تماماً.

وقال المخيزيم ان القروض الاستهلاكية تمت بعقود موقعة من طرفي البنك المموّل والمواطن، فإن كان الشخص معسراً فإن البنك يتحمل خطأه كونه أعطى قرضاً لمن يعجز عن تسديده، وإن كان الشخص قادراً على الالتزام بالسداد ولا وجود لمشاكل مالية، فلماذا إذاً أسدد فائدة الدين عليه!

وأشار إلى أن المال العام بلا شك سيتحمل هذا الهدر غير المبرر، موضحاً أن المبلغ الذي سيتم دفعه لشراء فوائد القروض من الأفضل له أن يذهب الى مشاريع تنموية تصب في المصلحة العامة للدولة وليس لفئة دون غيرها.

وقال المخيزيم ان إسقاط فوائد القروض سينتج عنه ظلم وغياب للعدالة الاجتماعية في استخدام المال، مؤكداً أن تأثيرها سيكون سلبياً على الاقتصاد الكويتي وعلى المجتمع الكويتي بشكل عام.

النصف: غير عادل

ومن جهته، قال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت أسامة النصف ان موضوع إسقاط فوائد القروض بشكل عام معقد، وما هو مطروح من حلول حالية تخرج عن إطار الحلول الفنية للمشكلة وتبتعد عن العدالة وهذه بشهادة محافظ بنك الكويت المركزي.

وتساءل النصف: ما هو مستقبل من سيأخذ قرضاً شخصياً بعد ذلك، هل سيكون في قناعاته أن عدم تسديده سيؤدي إلى إسقاطه؟!

واشار النصف إلى أنه إذا تم تحويل القرض من البنوك إلى الصندوق الحكومي فلن يكون مجزياً، موضحاً أن الحكومة لا تستطيع تحصيل رسوم فواتير الكهرباء والماء من المواطنين وبالتالي فإن مستقبل تحصيل هذه القروض يبقى غامضاَ.

وأكد أن "تاريخنا في معالجة مشاكل القروض والمديونيات دائماً ما يشير إلى أخطاء في قراءة الاوضاع حينها"، مشيراً إلى أن القرارات دائماً ما تأتي سياسية بعيدة كل البعد عن المعالجات الفنية المطلوبة حينها، ولا نستثني منها المشكلة الحالية.

وقال ان أي تصرف في المال العام من هذا القبيل سيكون له بلا شك تأثير على الميزانية العامة للدولة، إضافة إلى عدم عدالته ما بين المقترضين وغير المقترضين، وبين المقترضين أنفسهم، فهناك من التزم وسدد التزاماته وهناك من لم يلتزم، والمعالجة الحالية توحي بأن من أخطأ ستتم مكافأته بإسقاط قرضه ومن التزم سيتم مكافأته بمنحة أقل من غيره!

وتبنى النصف رأي بنك الكويت المركزي في عدم قبوله للحلول المطروحة لمشكلة القروض، كونها تتعارض مع مبادئ العدالة الاجتماعية، مشيراً الى أن العديد من المقترضين وغير المقترضين لن يستفيدوا من هذا الحل.

السلطان: حل أمثل

أما مستشار مجلس إدارة شركة أرزاق كابيتال صلاح السلطان فيرى ان توجه الحكومة نحو الموافقة على المقترح المقدم من قبل اللجنة المالية في مجلس الأمة حل أمثل لإنهاء معاناة الآلاف من المواطنين، إضافة إلى إنهاء قضية دامت سنوات عديدة وهي من القضايا التي سببت الكثير من التشاحن السياسي، على الساحة المحلية.

وعدد السلطان ايجابيات إسقاط فوائد القروض، حيث إنها تنهي الصراع الدائم بين أعضاء مجلس الأمة وأعضاء الحكومة، إضافة إلى انها تنهي معاناة المواطنين، وتساعد على التنمية، وتوافر السيولة في السوق، وهذا ما رأيناه في تداولات سوق الكويت للأوراق المالية أمس.

وقال انه ليس هناك أي تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي في حال إسقاط الفوائد، مشيرا إلى ان الدولة تستطيع شراء فوائد القروض من هذه البنوك ثم تتجه لتقسيطها على المواطنين بصورة مرنة، حيث ان الدولة شريك رئيسي لمشكلة القروض نظرا لعدم فرض رقابتها على البنوك في ذلك الوقت.

الثنيان: كارثة مستقبلية

وعلى صعيد متصل، قال رئيس شؤون مجلس الإدارة في بنك الخليج فوزي الثنيان ان اصدار الحكومة لتشريع يعمل على اسقاط فوائد القروض سيكون بمثابة "كارثة مستقبلية" على القطاع المصرفي، خاصة وانه يرسخ مبدأ "اقترض ولا تلتزم" وهو ما سيؤدي إلى تعثر العديد من المواطنين عن سداد التزاماتهم الائتمانية بانتظار تشريعات أخرى تسقط عنهم فوائد قروضهم الجديدة.

وأضاف الثنيان ان البنوك لن تستفيد بأي شكل من الاشكال من "القانون المقترح" فجميع القروض المتعثرة لديها تم تحويلها الى صندوق المعسرين، كما أن التعثر في القروض لا يتجاوز نسبة 1.5 في المئة، مؤكداً ان تأثيره السلبي سيكون كبيراً بإذكاء ثقافة الاستهلاك لدى عملاء الائتمان في الكويت.

وأضاف الثنيان انه لا خطورة على البنوك من إسقاط القروض أو فوائدها لأنه في حال تمرير القانون فستتحمل الحكومة قيمة الفوائد وليس البنوك، مؤكداً أن هذا التوجه يفتقد الى العدالة الاجتماعية التي ينشدها الجميع، متخوفاً من قيام أغلب المواطنين باستخدام الحد الاقصى لقدرتهم على الاقتراض دون وجود نية حقيقية لخدمة ديونهم، في انتظار اسقاطها مرة اخرى.

زينل: فقط في الكويت

ومن جانبه، قال رئيس مجلس إدارة الشركة الدولية للتمويل عضو مجلس ادارة بنك الكويت الدولي جاسم زينل ان اسقاط الفوائد يعد كارثياً على القطاع المصرفي والمالي في الكويت، فلا توجد دولة في العالم تقوم بسداد فوائد قروض مواطنيها إلا الكويت، مؤكداً أن هذا الملف تم تسيسيه بشكل كبير وذلك بسبب الوعود الانتخابية لنواب المجلس لدغدغة مشاعر المواطنين حين يستخدمون القضية في العملية الانتخابية.

وأضاف زينل أن تغيير الحكومة لموقفها واتجاهها نحو الموافقة على تمرير هذا القانون ستكون المرة الثالثة التي تتحمل الدولة الاعباء الشخصية للمواطنين وهو أمر خطير، مؤكداً انه سيساعد على إنشاء جيل جديد من المواطنين لديهم ثقافة استهلاكية غير مسؤولة، وذلك لان هذا القرار سيشجعه على الاقتراض والاستهلاك وليس الانتاج دون التزام منه بالسداد.

وأشار إلى أنه على الجانب الاخر ستندفع جهات التمويل لمنح القروض وينمو الاقتراض بشكل كبير دون حساب لاي تعثر محتمل من جانب العملاء، لاسيما أن الدولة ستقوم بالسداد فيما بعد، مشيرا الى أن هذا التوجه يفتح الباب لسلوكيات استهلاكية مرفوضة وغير مقبولة بالمرة.

وبين ان الحكومة عالجت مشكلة المتعثرين عن طريق صندوق المتعثرين والذي دخل فيه نحو 26 الف مواطن ممن كانوا يحتاجون الى بعض الدعم في هذا الشأن، وتحصلوا على قروض من غير فائدة وميسرة على فترات طويلة جدا من الدولة، لافتاً إلى انه يمكن ادخال بعض التعديلات على لائحة الصندوق ليزيد المستفيدون منه، وهو أمر مطروح وقابل للمناقشة مع الحكومة.

العوضي: إثقال الميزانية

وبدوره، قال رئيس مجموعة الاوراق المالية علي العوضي ان هذا المقترح يخالف مبدأ العدالة الاجتماعية، حيث يكافأ المواطن غير الملتزم تجاه قروضه والتزاماته المالية بإسقاط فوائدها، في حين يعاقب كل من التزم بسداد قروضه بعدم مساواته بغير الملتزم، متسائلا: لماذا لم يتكلم أحد على اسقاط فوائد القروض بالنسبة للشركات، فهي في النهاية ملك لمواطنين ومن حقهم أن يتم اسقاط فوائد قروضهم. وذكر العوضي أن الدولة بهذا الاتجاه تربي جيلا على القروض بدلاً من أن تسعى بكل السبل الى تغيير الثقافة الاستهلاكية للمواطن ومحاربتها.

واشار العوضي إلى أن اسقاط فوائد القروض سيمس استقلالية البنك المركزي ويحد من قدراته على اتخاذ قرارات مهنية وفنية صحيحة، مقابل تدخلات حكومية ونيابية تسعى لمكاسب سياسية، مضيفاً أنه سيؤثر أيضاً في نظرة وثقة المتعاملين مع القطاع المصرفي، محليا واقليميا وعالميا، بسبب عدم استقراره امام المطالب السياسية.

وأكد أن هذا المقترح سيدخل البلد في سجالات ليس لها داع، منها اثقال ميزانية الدولة ببنود ليس لها أي مردود اقتصادي، مطالباً بضرورة زيادة الانفاق الاستثماري من قبل الدولة والبعد عن الانفاق الاستهلاكي، وذلك بضخ الاموال في مشروعات التنمية والمشروعات التي يكون له مردود اقتصادي على المواطن.

وبين ان الحل الامثل لمشكلة المتعثرين هو صندوق المعسرين الذي يساعدهم وفق شروط وضوابط لسداد ديونهم، مؤكداً ضرورة وضع خطوط حمراء للمتعثرين حتى لا يعودوا للاقتراض والتعثر مرة أخرى، وذلك كما فعلت الحكومة بوضعها قيدا لمن يدخل صندوق المعسرين بعدم الحصول على قروض عقب تعامله مع الصندوق.

المطوع: أمراض مجتمعية

ومن ناحيته، قال عضو مجلس ادارة غرفة التجارة والصناعة طارق بدر سالم المطوع ان اسقاط الفوائد أوالقروض سيساعد على زيادة الأمراض المجتمعية في الكويت، مثل الحسد والتباهي بين المواطنين، كما يدعم ثقافة الاستهلاك وعدم المسؤولية، وعدم التزام المقترضين بسداد التزاماتهم، ويهدد استقرار القطاع المصرفي، ويؤثر عليه سلبا، ويزيد الضغوطات والتحديات على الاقتصاد كله.

وأضاف المطوع أن سياسة تدليل المواطنين التي تتخذها الحكومة تحدث خللا في مبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين بمكافأة عدم الملتزم بقروضه والتزاماته المالية أما الملتزم فقد تفوته فرصة اسقاط قروضه والتزاماته.

وبين المطوع أن اسقاط القروض سيزيد السلوك الاستهلاكي للمواطنين، ويدفعهم للاقتراض بالحد الاقصى، ليستخدموا قروضهم في شراء سلع استهلاكية أو خدمات وليست في قنوات استثمارية ذات عوائد تشغيلية، لاسيما مع عدم وجود قنوات استثمارية حقيقية في الكويت، وهو الامر الذي سيساهم في تعزيز استهلاكية المجتمع الكويتي، ويزيد أسعار السلع لزيادة الطلب عليها وارتفاع السيولة في الاسواق، ما سيؤدي إلى ارتفاع التضخم إلى مؤشرات عالية جدا.

وشدد المطوع على أن تسييس هذا الملف جعل العديد من الاطراف متحرجة من اتخاذ المواقف السليمة ازاءه، وذلك بالرغم من انه فني وتم علاجه من قبل البنك المركزي.

back to top