اذا استعرضنا تاريخ المعارضة السياسية في الكويت نجد أنها دائماً تقع في أخطاء تكلفها الكثير، بل تكبد مسار التطور الديمقراطي برمته خسارة كبيرة على حساب نضجه وبنائه التراكمي.

Ad

وتاريخياً إذا أخذنا سنة الأساس للمعارضة في عام 1938 ومروراً بالكثير من المحطات المهمة الأخرى التي شهدت حراكاً سياسياً قوياً كمنتصف الخمسينيات ومنتصف الستينيات والسبعينيات وحل مجلس 1985، وانتهاءً بحركة المعارضة الحالية التي بدأت أواخر عام 2011 نجد جملة من المتشابهات نوجزها بالآتي:

أولاً: سقف المطالبات السياسية يكون عالياً، خصوصاً ما يتعلق بالمشاركة الشعبية وتجسيد الإرادة الفعلية للأمة في اتخاذ القرار.

ثانياً: العناوين البارزة للمعارضة يتصدرها انفجار حجم كبير من الفساد خصوصاً في الشق المالي.

ثالثاً: القوى الوطنية والتيارات السياسية والنخب المثقفة والتجارية في الغالب تتصدر حركة المعارضة مع زحم شعبي ميداني تمثله شريحة الشباب.

رابعاً: تنتهي بحتمية المواجهة مع السلطة، وتتحدد نتائج هذه المواجهة على قوة الأوراق السياسية عند كل طرف.

ومثل هذه المحاور الأربعة عادة ما تكون قواسم مشتركة في كل محطة سياسية تنشط خلالها المعارضة، وإن تغيرت مسمياتها أو الطرف المتصدي في الحراك السياسي بشكل أو بآخر، فتارة تكون نخبة التجار وعوائل الحضر في المقدمة، وتارة أخرى تكون القوى الليبرالية هي التي تقود، وفي المراحل الأخيرة كان للتيارات للإسلامية والفئات المجتمعية خصوصاً القبائل الكلمة العليا في خطاب المعارضة.

ومع هذه القواسم المشتركة، هناك أخطاء متشابهة وقعت فيها معظم أشكال المعارضة ورموزها طوال المسيرة الديمقراطية بل قبلها، ومن أهم هذه الأخطاء:

أولاً: اختفاء العناوين الرئيسة والمبدئية وبشكل مفاجئ من المسرح السياسي والخطاب الإعلامي، وفرض عناوين هامشية تكون محل خلاف جديد ليس بين الحكومة والمعارضة ولكن في صفوف المعارضة ذاتها.

ثانياً: الاختلافات الجوهرية في المطالبات والمنهجية وأسلوب الخطاب، الأمر الذي قد يؤدي إلى خلخلة صفوف المعارضة بل يمكن أن ينتهي بالصدام الداخلي.

ثالثاً: التحول المفاجئ في خط المعارضة في معاداة شرائح مجتمعية أخرى لمجرد علاقاتها مع السلطة، وتغيّر المشهد العام إلى ما يشبه الحرب الطائفية أو الفئوية، وهذا ما يُفقد المعارضة قواعد شعبية كبيرة، بل يحولها إلى جبهة متصدية لها وبقوة.

رابعاً: غياب الرؤية الشاملة لمفهوم المعارضة، ولماذا نعارض؟ وعدم توثيق المطالبات السياسية لفرض الالتزام بها خصوصاً إذا ما كانت عابرة للشرائح والانتماءات المختلفة وجامعة لهم.

وإذا أخذنا مثل هذه الأخطاء القاتلة بعين الاعتبار نجد («مصاديقها») اليوم تتكرر مع المعارضة الحالية التي كان بالإمكان تحقيق الكثير من أفكارها ومن خلال الالتفاف الشعبي الكبير حولها، ولكنها مع الأسف وقعت في ذات المطب مع زيادة في الطرح الطائفي والفئوي الحاد.

وأمام المغريات الكثيرة التي تمتلكها السلطة من ناحية أخرى وقدرتها وخبرتها وحفظها عن ظهر قلب لمدرسة المعارضة، أصيبت هذه الأخيرة بمقتل، ولم تقبل النصح والاستفادة من دروس الماضي ولا استحقاقات المرحلة على مدى سنتين فانتهت إلى ما انتهت إليه الآن!