حين استيقظ المستثمرون على وقع إدراكهم أن التحفيز النقدي غير العادي من خلال التسهيل الكمي يمكن ألا يدوم إلى الأبد، أحسوا بالهزات والتداعيات، وما أثار قلقهم هو مشاعر الانزعاج من أن سياسة أسعار الفائدة المتدنية بدأت بالتفكك.
ما الفرق بين 1.6 في المئة و2.2 في المئة؟ إما أن الفرق لا يذكر، وإما أنه تحوُّلٌ ينطوي على احتمالات صاعقة في الطريقة التي ينظر بها المستثمرون إلى العالم.خلال الأسبوع الماضي، حلقت العوائد على السندات الحكومية الأميركية إلى الأعالي، ما جعل حاملي السندات يلعقون جراح أسوأ خسارة شهرية لهم منذ ديسمبر 2010.ويوم الأربعاء سجلت العوائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات 2.23 في المئة، بعد أن كانت 1.61 في المئة في مطلع مايو، وعادت إلى 2.20 في المئة في تداولات متقلبة يوم الجمعة.والسبب المباشر لهذا كان التخوف من أن الاحتياطي الفدرالي سيبدأ قريباً سحب مشترياته المفتوحة من السندات، وهو أمر له آثار بعيدة المدى على أسواق السندات الأميركية، وربما يعلن نقطة تحول في السوق الصاعدة للسندات الأميركية لأجل 30 سنة.وحين استيقظ المستثمرون على وقع إدراكهم أن التحفيز النقدي غير العادي من خلال التسهيل الكمي يمكن ألا يدوم إلى الأبد، أحسوا بالهزات والتداعيات.كذلك شهدت أسواق السندات في الاقتصادات الناشئة ارتفاعاً حاداً في العوائد، مثلما حدث في اليابان، التي دخلت فيها سوق الأسهم طوراً من الهياج والتوتر. وفي مرحلة من المراحل تراجع مؤشر نيكاي 225 بنسبة 15 في المئة عن ذروة الأسبوع الماضي.أسعار الفائدة المتدنيةوما أثار قلق المستثمرين هو مشاعر الانزعاج من أن سياسة أسعار الفائدة المتدنية، التي تطبقها البنوك المركزية، وفي طليعتها الاحتياطي الفدرالي، التي دفعت بأسعار الأصول إلى أعلى بصورة حادة خلال السنة الماضية – فوق المستويات التي تبررها الأساسيات الاقتصادية – بدأت في التفكك.ويقول كيفن جينور، الرئيس العالمي لتخصيص الأصول في بنك نومورا: «لا أستطيع أن أقول أين، لكن هناك قنابل لم تنفجر بعد، وستنطلق في الوقت الذي تبدأ فيه العوائد بالارتفاع».وتظل الثقة عالية بأن مسؤولي البنوك المركزية سيستمرون في مساندة الاقتصاد والتصرف وكأنهم فريق للتخلص من القنابل عندما تدعو الحاجة. وحتى الولايات المتحدة لم تشهد انتعاشاً مستديماً بصورة ذاتية، في حين أن بنك اليابان «وجد الأمور جاهزة»، كما يقول مايك إيمي، رئيس قسم محافظ الاسترليني في بيمكو، مضيفا: «نعتقد أن السوق الصاعد انتهى، لكننا لا نعتقد أن الدورة طويلة الأجل للسوق الهابط قد بدأت».لكن الضغوط في الأسواق أبرزت مقدار انكشافها وضعفها أمام أي إشارة إلى التحول في المساندة المقدمة من الاحتياطي الفدرالي. وكانت إجراءات البنوك المركزية في السنوات الأربع الماضية قد دفعت المستثمرين إلى الاقتراض بفوائد متدنية على الأجل القصير، وتركيز مشترياتهم في سندات ذات عوائد عالية من خلال تجارة المناقلة.الرفع الماليولا يعلم أحد نطاق هذه التعاملات، لكن هناك خطرا من أن يحاول المستثمرون استباق أي محاولة من الاحتياطي الفدرالي لإبعاد طبق الحلوى. ويقول ريتشارد جيلهولي، وهو محلل استراتيجي لدى مؤسسة تي دي للأوراق المالية: «هناك خطر من أنه حتى قبل أن يتضح أمر النمو الاقتصادي، من الممكن أن تتحرك الأسواق إلى وضع متطرف، على اعتبار أن هناك مقادير كبيرة من الرفع المالي والتعاملات من جانب واحد تراكمت بناء على طلب الاحتياطي الفدرالي على مدى السنوات الأخيرة».والجيشان الذي وقع في الأسبوع الماضي «يبرز المخاوف حول عوامل الإفراط في بلدان الأسواق الناشئة، التي كانت الأثر الجانبي للعوائد المتدنية للغاية والمستقرة على سندات الخزانة الأميركية»، كما يقول جينور. ويضيف: «إذا كانت هذه العوائد سترتفع، ينبغي أن نشعر بمزيد من القلق من الأمور التي من قبيل الأنظمة المالية ذات الرفع المالي في بلدان الأسواق الناشئة».وأصبحت الآثار الجانبية واضحة في أسواق سندات الشركات ذات التقييم الاستثماري الجيد، حيث تراجع إجمالي العوائد على مدى العام إلى المنطقة السالبة. وباعت الشركات الكبرى سنداتها بأسعار فائدة قياسية متدنية «ولا توجد طريقة يمكن أن تنجو بها سندات الشركات ذات القيمة الاستثمارية من عمليات بيع مكثفة وعنيفة لسندات الخزانة»، كما يقول رئيس قسم استراتيجية الائتمان الكبير في «آر بي إس» للأوراق المالية إدوارد مارينان.لكن الأثر – حتى الآن على الأقل – لم يكن ملحوظاً في الأسهم الأميركية وفي سوق السندات الخطرة.ويقول مارينان: «حين نرى الاستقرار في عوائد سندات الخزانة، عندها تستطيع السندات ذات العوائد العالية أن تعبر الطريق. فبفضل فوائدها ومكاسبها الرأسمالية العالية، تتمتع هذه الفئة من الأصول بانعزال أكبر من السندات ذات المرتبة الاستثمارية أمام الارتفاع في سندات الخزانة الأميركية».وينسجم الأداء الجيد للأسهم والسندات ذات العوائد العالية مع النظرة القائلة إن تشديد السياسة النقدية من الاحتياطي الفدرالي لن يأتي إلا حين تتحسن آفاق الاقتصاد الأميركي، ما يقلل من مخاطر إعسار الشركات ذات المرتبة الائتمانية الأدنى ويزيد من آفاق الأرباح.لكن نمط التطورات في أسواق السندات الأوروبية كان على العكس، حيث شهدنا عمليات بيع مكثفة في أسواق السندات الخطرة تفوق أسواق السندات الاستثمارية.ولأن العوائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات أظهرت استقراراً يوم الجمعة، فإن الحدث الكبير التالي هو بيانات الوظائف الأميركية عن مايو، المتوقعة بنهاية الأسبوع الجاري.شراء السنداتوبحسب أجاي راجادياكشا، وهو محلل استراتيجي لدى باركليز: «إذا تحسن عدد الوظائف فمن شأن ذلك أن يقوِّي اعتقاد المستثمرين بأن الاحتياطي الفدرالي يمكن أن يتراجع في برنامجه لشراء السندات».ويلاحظ جاي مويلر، وهو مدير أول للمحافظ في ويلز كابيتال، أن «الاحتياطي الفدرالي ليس في عجلة من أمره لتغيير الأمور، لكن إذا حصلنا على أرقام اقتصادية أقوى، فإن المستثمرين سيتوصلون إلى الصورة الكبيرة ويقولون إننا انتقلنا إلى مرحلة من النشاط القوي».وحين يكون الاقتصاد الأميركي مندفعاً بكامل طاقته، فمن شأن ذلك زيادة الضغط الصاعد على عوائد السندات. ويجادل راجادياكشا بأن الاحتياطي الفدرالي سيتجنب عملية البيع المنفلتة من عقالها، التي يمكن أن تُعَرض للخطر تَقَدُّم الاقتصاد. وبالتالي تظل أسواق السندات والأسهم في وضع جيد.لكن من الممكن أن يكون هناك الكثير من الانفجارات غير المتوقعة.ويحذر ديدييه سان جونز، عضو اللجنة الاستثمارية في كارمينياك، وهي شركة لإدارة الصناديق في فرنسا، من «أن مصير الأسواق المالية معلق الآن أكثر من أي وقت مضى على إجراءات البنوك المركزية، وبالتالي ازدياد التقلب سيكون جزءاً من حياتنا في المستقبل على المدى المتوسط».*(فايننشال تايمز)
اقتصاد
الأسواق «منزعجة» من بدء تفكك سياسة التسهيل الكمي
03-06-2013