لقد وصلت الصين مرة أخرى إلى مفترق طرق في رحلتها إلى الازدهار الشامل المستدام، وفي مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر، تم تكليف الزعامة الجديدة بتخطيط مسار البلاد على مدى الأعوام العشرة المقبلة، وهو ما يستلزم تحديث أنظمة الصين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضمن حدود تاريخها وسياقه الجيوسياسي المتغير.

Ad

والواقع أن أجندة الإصلاح طموحة بكل المقاييس، وخاصة في ظل البيئة الخارجية الهشة غير المواتية، ففي غضون العقدين المقبلين، يتعين على زعماء الصين أن يعملوا على تصميم وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لمكافحة الفساد؛ ودعم الهجرة إلى المدن (مثل تحرير نظام تسجيل المساكن)؛ وتعزيز الإبداع التكنولوجي؛ وإعادة التوازن إلى مصادر النمو الاقتصادي؛ ورفع معايير البيئة والعمل؛ وبناء نظام الرفاهة الاجتماعية، بما في ذلك الرعاية الصحية، والتعليم، والضمان الاجتماعي.

ولضمان استدامة أي نظام، فإن تصميمه لابد أن يحتسب لما أطلق عليه المفكر نسيم طالب وصف أحداث "البجعة السوداء" النادرة، والتي كما أثبتت الأزمة الاقتصادية العالمية قابلة للحدوث وبعواقب وخيمة. ولكن التدابير الرامية إلى جعل الأنظمة أكثر "مرونة" أو "قوة" تُعَد غير مكتملة. فالأنظمة لا ينبغي لها أن تكون قادرة على تحمل التقلبات فحسب؛ بل ينبغي لها أيضاً أن تكون مصممة للاستفادة من الضغوط والفوضى.

مؤخرا، ابتكر نسيم طالب مصطلح "مضاد الهشاشة" لوصف نظام يستفيد من عدم اليقين المتأصل، والتقلبات، والفوضى، وأشار إلى أنه على الرغم من أن الأنظمة الجامدة قد تبدو أكثر استقرارا، فإنها ليست مجهزة للتعامل مع الصدمات غير المتوقعة، الأمر الذي يجعلها هشة في الأمد البعيد. وعلى النقيض من هذا، فإن التعرض  المتكرر للتقلبات المؤقتة المحلية من شأنه أن يرغم الأنظمة على تبني قدر أعظم من الديناميكية والمرونة، على النحو الذي يحسن من قدرتها على الازدهار تحت الضغوط.

وعلى هذا، فبدلاً من السماح للمطالبات بأقصى قدر من الكفاءة بدفع الهياكل إلى أقصى حدود احتمالها، ينبغي لنا أن نبني ضمن هذه الأنظمة تدابير احتياطية بديلة (قدرات معادلة يمكن تنفيذها بتطرق متعددة). وتعمل هذه التدابير المنخفضة التكلفة على دعم القدرة على مكافحة الهشاشة في الأمد البعيد، في حين تضمن تحقيق مكاسب الجانب الإيجابي في المستقبل للتعويض عن أحداث "البجعة السوداء" (النادرة الحدوث).

إن التدابير المضادة للهشاشة تشكل أهمية بالغة في الاقتصادات الضخمة مثل الصين، حيث الإدارة مركزية إلى حد كبير، ولكن الأنشطة موزعة بين الأسر، والمجتمع المدني، والأسواق، ومختلف مستويات الحكومة. وتكمن أعظم التحديات التي تواجه الصين في إيجاد التوازن بين تقاليدها اللامركزية القائمة على الأسرة وبين حكومتها المركزية، وبالتالي يصبح بوسعها أن تطور في مؤسساتها ذلك النوع من مضادات الهشاشة القائم بالفعل في ثقافتها.

لقد ناضلت الصين من أجل إيجاد التوازن بين المركزية والتجزئة- بين التحكم وعدم اليقين- عبر تاريخها الطويل من ديناميكيات الصعود والهبوط، والتفسخ المحلي، والغزو الأجنبي. وفي حين ساعد الاختيار المفتوح القائم على الجدارة من بين "المسؤولين المثقفين" في الحفاظ على البنية الحاكمة الأسرية المغلقة لأكثر من ألفي عام، فإنه كان عاجزاً عن التعويض عن هشاشة النظام المتزايدة في ظل حكم أسرة شينغ، بعد أن عملت الفتوح على زيادة عدد سكان الإمبراطورية من 150 مليون إلى 450 مليون نسمة. وفي نهاية المطاف كان الفساد المستشري، والاضطرابات الاجتماعية المتصاعدة، والعجز عن مقاومة القوى الغربية الحديثة، من الأسباب التي أدت إلى انهيار الأسرة الحاكمة، وأطول البيروقراطيات عمراً على مستوى العالم، في عام 1912.

ثم فشلت أيضاً الحكومة القومية التي أتت في أعقاب الانهيار، والتي أسست الجمهورية الصينية، في التعامل مع التوترات بين المركزي والمتجزئ، والذي أطلق عليه مؤرخ الاقتصاد الكلي راي هونغ وصف "الفجاجة الحسابية" لدى الصين، والواقع أن الصين لم تعمل قط على تطوير البنية الأساسية لحقوق الملكية أو السياسات النقدية والمالية المطلوبة في اقتصاد زراعي تهيمن عليه الأسرة في ظل حكومة تديرها النخبة.

ومن خلال فرض حقوق الملكية وتنفيذ سياسة وطنية، أصبح الحزب الشيوعي الصيني بمنزلة الآلية المؤسسية التي ردمت الفجوة بين النخبة (الحزب) والجماهير، ولكن أثناء الفترة 1958-1961، كان التخطيط المركزي المفرط من أجل دعم القفزة الكبرى إلى الأمام (الحملة المكثفة التي قادها ماو تسي تونغ لتحويل اقتصاد الصين إلى التصنيع والعمل الجمعي) سبباً في توليد هشاشة نظامية.

ثم بدأ الوضع يتحسن في عام 1978، عندما بدأ دنغ شياو بينغ في تنفيذ الإصلاحات الموجهة نحو السوق وفتح الاقتصاد، الأمر الذي منح الصين القدرة على الوصول إلى فرص جديدة للنمو الاقتصادي وتشغيل العمالة. وخلال ما أطلق عليه وصف التحديثات الأربعة، تعززت قوة القطاعات الحيوية للزراعة، والصناعة، والدفاع الوطني، والعلوم والتكنولوجيا.

ومن ناحية أخرى، كانت الصين بطيئة في فتح نظامها المالي، حتى في حين كانت اقتصادات شرق آسيا الأخرى تسعى إلى تحقيق الكفاءة من خلال تحرير حساباتها الرأسمالية في تسعينيات القرن العشرين. ونتيجة لهذا، كانت الصين معزولة، عندما اندلعت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997، عن التقلبات التي عصفت بجاراتها الهشة. والواقع أن تلك الأزمة تحولت إلى فرصة، حيث دفعت الصين إلى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لنظامها المالي وشركاتها المملوكة للدولة، وإدراج البنوك الكبرى علنا، وخصخصة إسكان الخدمة المدنية.

بيد أن العديد من التدابير المضادة للهشاشة في الصين كانت مجزأة وغير كاملة. على سبيل المثال، تظل الحاجة إلى إصلاح الشركات المملوكة للدولة على الأجندة، نظراً لقوة المصالح الخاصة التي تعارض المزيد من الخصخصة والإصلاحات القائمة على السوق.

ويتعين على زعماء الصين الآن أن يحددوا مجالات معينة يعملون فيها على بناء التدابير المضادة للهشاشة، والتعامل مع الإصلاحات المطلوبة بحكمة. وفي حين يتعين عليهم أن يضمنوا شمول الإصلاحات، فيتعين عليهم أيضاً أن يتجنبوا محاولة تنفيذ الكثير بسرعة أكبر مما ينبغي، حيث قد يؤدي ذلك إلى حشد المقاومة من قِبَل لاعبين راسخين، أو توليد سلسلة من ردود الأفعال الخطرة من دون قصد.

من حسن الحظ أن موقف الصين المالي قوي وكذا موقفها فيما يتصل بصرف العملات الأجنبية، وهو ما من شأنه أن يخفف عن اقتصادها الصدمات القصيرة الأمد. وعلى الرغم من الهشاشة الناجمة عن الفساد، فإن قدرة الجهاز البيروقراطي على تنفيذ السياسات سليمة.

يتمثل أحد التحديات الكبرى بتحديد الأدوار والمسؤوليات الملقاة على عاتق الحزب، والدولة، والسوق، والمجتمع المدني. ونظراً لقدرة الحكومة الثابتة على التدخل، فإن الخيار المفترض أثناء الأزمة كان الاعتماد على التدابير الإدارية بدلاً من قوى السوق. والسماح بالتصحيح الذاتي غير المنظم من قِبَل الأسواق يتطلب الثقة على كل مستويات الحكم، من الحكومة المركزية إلى الإدارات القروية، وبين الشركات المملوكة للدولة.

وعلاوة على هذا، يتعين على زعماء الصين أن يعملوا على بناء القدر الكافي من القوة المؤسسية داخل السلطة القضائية، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام من أجل فرض سيادة القانون وتعزيز تدابير مكافحة الهشاشة الطويلة الأجل. وهذا يستلزم منع التجاوزات الإدارية، وتمهيد أرض الملعب للشركات المملوكة للدولة وغيرها من الشركات على حد سواء، وفصل الجهات التنظيمية عن الكيانات الخاضعة للتنظيم.

وبينما يتولى زعماء الصين الإصلاحات البنيوية عبر قطاعات متعددة فإن لديهم الفرصة لدعم ازدهار بلادهم في الأمد البعيد. ولكن نجاح هذه المهمة سوف يتطلب إيجاد التوازن بين الحفاظ على الاستقرار النظامي الشامل والسماح لاقتصاد البلاد الضخم بالتكيف والنمو، وهو التحدي الذي تصارعت معه الصين لقرون من الزمان.

أندرو شنغ & شياو غنغ

* أندرو شنغ رئيس معهد فونج العالمي، والرئيس الأسبق للجنة الأوراق المالية والعقود الآجلة في هونغ كونغ، وأستاذ مساعد بجامعة تسينغهوا في بكين حاليا. وشياو جنغ مدير البحوث لدى معهد فونغ العالمي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع "«الجريدة»