ينصح معلقون بارزون، مثل ليزلي جلب وجون بولتون وبريت ستيفنز، إدارة أوباما بالتغاضي عن مخاوفها بشأن الانقلاب العسكري في القاهرة، وتأييد الجنرالات بصفتهم البديل الأفضل لـ"الإخوان المسلمين". تُعتبر هذه مثالا على ما يمكننا وصفه بنظرية "المشكلة" في مجال العلاقات الخارجية، نسبة إلى التعليق الغامض الذي أدلى به الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت، حسبما يُفترض، عن حاكم نيكاراغوا المستبد أناستاسيو سوموزا: "قد يكون مشكلة، إلا أنه يبقى مشكلتنا".

Ad

تحمل هذه الحجة شيئاً من المنطق، ولا شك أن الولايات المتحدة تحقق مكاسب استراتيجية من تحالفها مع الجنرالات المصريين، خصوصاً الحفاظ على اتفاقيات كامب ديفيد، وحقوق العبور في قناة السويس، وأشكالاً أخرى من التعاون العسكري والاستخباراتي في الحرب ضد الإرهاب، لكن السؤال الأهم: هل تستحق هذه المكاسب الاستراتيجية الضرر الذي سيلحق بمكانة الولايات المتحدة نتيجة ارتباطها بحكومة تقتل متظاهرين غير مسلحين في الشارع، حتى إنها تطلق النار، وفق بعض التقارير، على سجناء في عهدتها، متحججة بأنهم حاولوا الهرب؟

يمكننا أن نفهم هذه الكلفة بالرجوع إلى مسألة سوموزا: أدت سنوات من دعم طغيان سوموزا إلى ثورةٍ عام 1979 قادتها "جبهة ساندينيستا" للتحرير الوطني والمناهضة للولايات المتحدة. وثمة أسباب وجيهة لنخشى رد فعل مماثل في مصر اليوم، فحتى لو تمكن الجيش من ترسيخ سلطته وسحق "الإخوان المسلمين" مؤقتاً، كما سيفعل على الأرجح على الأمد القصير، لكنه يزرع بذور الكره على الأمد الطويل.

لنتذكر منشأ تنظيم "القاعدة": أيمن الظواهري، قائد هذا التنظيم الحالي وأحد مؤسسيه، مصري، وكذلك سيد قطب، الأب الروحي للإسلام السياسي العصري. توفي قطب في أحد السجون المصرية، وعُذب الظواهري في أحدها أيضاً، لكن هذه المعاملة العنيفة لم تسكت الإسلام السياسي، بل حملته إلى الاختباء ودفعته إلى حمل السلاح، ويُعتبر اغتيال أنور السادات أحد ردود الفعل تجاه هذا القمع، ومن ردود الفعل الأخرى بروز تنظيم "القاعدة".

لا عجب في أن أسامة بن لادن والظواهري أتيا من دولتين حليفتين للولايات المتحدة تقمعان شعبهما، ونتيجة لذلك، توصل كلاهما إلى خلاصة أن مهاجمة راعي حكام هاتين الدولتين هو السبيل الوحيد إلى تحرير بلادهما، ومن المنطقي أن نتوقع راهنا أن يلجأ الجيل الجديد من الإسلاميين في مصر، الذين يرون اليوم أن المسار السلمي إلى السلطة ما عاد مفتوحاً، إلى العنف، وأن تعاني الولايات المتحدة جزءا من هذا العنف، ما دامت واشنطن تقف إلى جانب الجنرالات.

تكمن المفارقة في أن الجنرالات، رغم تعاونهم السري مع واشنطن، يشجعون النتيجة عينها بتصوير الولايات المتحدة (وإسرائيل) على أنهما الشر بعينه في دعايتهم المحلية، فالرئيس المصري السابق حسني مبارك اتبع النمط ذاته، وهذا خلفه المحتمل، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، يكرره اليوم. نتيجة ذلك، تحفل محطات البث المصرية التابعة للحكومة مجدداً بالخطاب الغاضب المناهض للغرب، والذي يلقي مسؤولية كل ويلات مصر، من الركود الاقتصادي إلى العنف في الشوارع، على عملاء الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصاً. ولا شك أن هذا ما تقوم به الحكومات اليائسة، التي تفتقر إلى الشرعية، لتبرر حكمها، فهي تدّعي أنها تحمي الناس من قوات غريبة شريرة، وهكذا، يعزز الجنرالات الإرهاب المناهض للولايات المتحدة، الذي يدعون أنهم يحاربونه.

علاوة على ذلك، يبذل الجنرالات قصارى جهدهم ليشوهوا تلك الفترة الوجيزة التي حكم خلالها الرئيس المخلوع محمد مرسي وجماعة "الإخوان المسلمين". لا أتقبل جماعة "الإخوان المسلمين" مطلقاً: فأهدافها (مجتمع ثيوقراطي) وأساليبها (قمع المنشقين تدريجيا) بغيضة، ولكن تذكروا ما لم نشهده خلال عهد مرسي: لم تتخل مصر عن اتفاقيات "كامب ديفيد"، ولم تعطِ الضوء الأخضر لـ"حماس"، ولم تنهِ التعاون العسكري مع الولايات المتحدة أو حتى إسرائيل.

قد يقول البعض إن ذلك يعود إلى أن مرسي لم يكن يتمتع بالسلطة المطلقة، فحتى خلال فترة حكمه، حافظ الجيش على مقدار كبير من الاستقلالية، وقد يكون هذا صحيحاً، لكن في هذه الحالة، يصبح الانقلاب وعملية القمع الحالية غير ضروريين، فلم يكن مرسي ينعم بسلطة مطلقة.

أما اليوم، فتفتقر مصر إلى ما يوازن سلطة الجيش، الذي خلع قفازيه المخمليين، يبدو الجيش عاقداً عزمه على سحق "الإخوان المسلمين" بالقوة، وإن تمكن من تحقيق ذلك، فسأصفق له، لكنني أشك في أن ينجح الجيش في القضاء على حركة شعبية واسعة. لذلك من المتوقع أن يتواصل العنف وعدم الاستقرار، مع بروز مخاطر جديدة تهدد الولايات المتحدة.

ماذا سيكون رد فعل الولايات المتحدة؟ لا أعتقد أن تعليق المساعدة العسكرية الأميركية، التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا، سيدفع بالجيش المصري إلى تبديل سلوكه، فدول الخليج الثرية، مثل المملكة العربية السعودية، تمد مصر بما يكفي من المال لتعويض المساهمة الأميركية، لكن وقف المساعدة الأميركية سيحد على الأقل من تورطنا في أي فظائع تواجهها مصر تالياً، ويعزز مصداقيتنا حين ننتقد الصين، وروسيا، وزيمبابوي، وفنزويلا، وكوبا، وسورية، وكوريا الشمالية، وإيران في مسائل حقوق الإنسان.

* ماكس بوت | Max Boot