مملكة النرويج هي ملكية دستورية، عاصمتها أوسلو، عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة، نظامها برلماني متعدد الأحزاب، مساحتها 385 ألف كيلومتر مربع، وهي بالتالي من أقل الدول كثافة سكانية في أوروبا، تم احتلالها وابتلاعها من جيرانها لمئات السنين حتى حصلت على استقلالها سنة 1905.

Ad

إلى فترة قريبة كانت بلداً عادياً، حتى أصبحت الأولى في العالم تنموياً، حصلت المرأة فيها على حقوقها السياسية مبكراً 1913، وبها شرائح إنتاجية متنوعة كالعمال والفلاحين وصيادي السمك، مع غياب ملحوظ للشريحة الارستقراطية، خلافاً لدول احتلتها في السابق كالدنمارك والسويد على سبيل المثال.

يوم الأول من مايو هو عيد العمال ويوم عطلة، وتنظم بهذه المناسبة مسيرة كبرى تشارك فيها قوى نقابية وسياسية، تجوب الشوارع الرئيسة، وترفع ما تريد من شعارات، في ظل أقل ملامح لوجود الشرطة والأمن.

في المسيرة كانت وسائل التعبير مختلفة، والمطالب متباينة، وإن غلب عليها البعد النقابي العمالي فقد تخللتها مطالب سياسية خارجية واجتماعية، وكان لافتاً أن أحد أبرز الشعارات المرفوعة كان "قاطعوا إسرائيل الحرية لفلسطين".

في مؤخرة المسيرة لم يكن هناك إلا شرطي واحد على موتورسايكل وانتهت المسيرة بسلام.

عند وصولي إلى الفندق الصغير فاجأتني مديرة الاستقبال برأيها حول وضع المرأة عندنا، حيث قالت بالحرف: "كامرأة سأكون خائفة لو عشت في بلادكم"، فسألتها لماذا؟ فأجابت: لأن المرأة عندكم مضطهدة وممنوع عليها التعليم، فشرحت لها عدم دقة انطباعاتها وخطأ معلوماتها، فإن كانت هناك أمور لدينا بحاجة إلى إصلاح بخصوص وضع المرأة، فإن التعليم بالتأكيد ليس كذلك، فقالت: أعتذر عن جهلي، ولابد أنني استندت إلى معلومات مغلوطة.

 وعندما سألت عن وجود بقالة قريبة لكي أشتري مياهاً معدنية، كان ردها: المياه المعدنية مكلفة، ونحن في النرويج نشرب الماء من "الحنفية" مباشرة، ونثق بنظافة الماء العام، بل إن الملك ذاته يشرب ماء "الحنفية"، وكذلك الأطفال نسقيهم منها.

والسؤال: ما هو عدد البشر أو الشعوب التي تثق مطلقاً أن الماء العام الذي يأتي عبر مواسير الحكومة صالح للشرب بدون فلتر أو وسائل تنقية؟ بالطبع فإن الثقة أن الماء الذي تشربه نقي، تتجاوز موضوع الماء بذاته، إلى طبيعة العلاقة مع السلطة السياسية، والثقة بالنظام السياسي الذي يقدم تلك الخدمة، تلك هي النرويج كما يبدو، خلافاً للكثير من دول العالم، ومنطقتنا على رأس القائمة.