هل يستطيع العرب التصفيق بيد واحدة؟!

نشر في 06-02-2013
آخر تحديث 06-02-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي  -1-

في مقال الأسبوع الماضي، قلنا وأكدنا، إن التغيير يعني التجديد في الحياة. وشرحنا مدى حاجتنا الآن، وفي هذه الأوقات العصيبة والدقيقة، التي يمر بها العالم العربي إلى اكتشاف الإسلام من جديد.

فقد غاب عنّا الإسلام، حين غبنا عنه، خلال القرون الطوال الماضية. ولو قرأنا الإسلام الآن بتمعن وإدراك، لوجدنا فيه، دلائل كثيرة تحثُّ على التغيير والتجديد، باعتبار أن الإسلام كان- في حد ذاته- رسالة تغيير وتجديد، حضارية شاملة، وقد تجلّت عظمة هذه الرسالة في شموليتها، وتغطياتها لنواحي الحياة الإنسانية المختلفة.

ففي الجانب الديني، كان الإسلام حركة تغييرية كبيرة.

وفي الجانب الاقتصادي، قام الإسلام بحركة تغيير كاملة لاقتصاد المجتمع الوثني والصنمي، ونقل هذا المجتمع من اقتصاد الربا، والاحتكار، والتلاعب بالأسعار والموازين، إلى اقتصاد القرض الحسن، والبيع والشراء بالقسطاس (النصيب بالعدل). وفي الجانب الاجتماعي، قام الإسلام بحركة تغييرية شاملة أيضاً، وجاء بقيم اجتماعية جديدة تتناسب ومجتمع التوحيد، وتُلغي معظم القيم الاجتماعية للمجتمع الوثني. وفي الجانب الأخلاقي، كان للرسالة الإسلامية الباع الأكبر في الإتيان بحزمة من القيم الأخلاقية الصالحة للمجتمع التوحيدي.

وأخيراً، في الجانب السياسي، جاء الإسلام بمفهوم جديد للدولة، وهي الدولة الفكرية التي لا مكان لعنصر القومية الممقوتة فيها.

-2-

ولم نذكر في مقال الأسبوع الماضي، أثر الإسلام في الجانب العسكري- نظراً للمساحة المحددة للمقال- ففي الجانب العسكري، أحدث الإسلام تغييراً في دوافع الحروب وشروطها، وكان أهم ما جاء به الشروط الجديدة للحروب، والتي تتلخص فيما يلي:

1- أن المجتمعات غير الراشدة والطاغية، هي التي تقتل الناس، لأجل أفكارها في سبيل أن ينتشر الحكم الفاسد الطاغي. وقد أمرنا الرسول الكريم، أنه في مثل هذه الحالات، علينا أن نكسر أسلحتنا، ولا ندخل مع الحكومات الطاغية، وأن نلزم بيوتنا، ولا ندافع عن أنفسنا، ونكون كابن آدم.

2- أن القتال في الحروب الجاهلة الباغية غير الراشدة، يُعدُّ قتال مرض، وقتالاً تحت راية عمياء، وجهاد الخوارج، الذين يريدون أن يصلوا إلى الرُشد بوسائل الغي.

3- أن الجهاد في سبيل الله، يجب أن يكون مستوفياً الشروط كما كان في عهد الرسول. شرطٌ في المجاهِد، وشرطٌ في المجاهَد ضده. وشرطُ المجاهِد أن يكون قد أقام المجتمع الراشد، الذي يقيم الحكم الراشد، فإذا وجد هذا المجتمع الراشد، ووجد الحكم الراشد، فعليه أن ينذر المجتمعات غير الراشدة- التي قامت على الإكراه- ويدعوها إلى الدخول في حياة الرُشد والعدل، فإن لم يفعلوا، حوربوا إلى أن يزول الإكراه. أما المجاهَد ضده، فهو من يُكره الناس، ويظلمهم، ويقاتلهم في دينهم، ويخرجهم من ديارهم. وهذا هو معنى الآية الكريمة: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". (الممتحنة:8)

4- عدم الخلط بين الجهاد، الذي هو لرفع الإكراه، والحرب التي تهدف إلى الإكراه.

5- إضافة إلى كل ذلك، فقد كانت هناك أخلاقيات للحروب لخصها الخليفة أبوبكر الصديق في عدم قتل النساء، والأطفال، والشيوخ، ومن هم داخل بيوتهم ومعابدهم، وعدم حرق، أو قطع الأشجار، في وصيته لخالد بن الوليد، في "حروب الردة".  

أما في الجانب العلمي، فقد كان الإسلام حركة تغيير كبيرة، حين أمر المسلمين بأن يعقلوا، ويتفكروا في خلق الله، وألا يلجؤوا إلى الشعوذة، والسحر، والتخيّلات، وقد حدد الإسلام علاقته بالعقل تحديداً دقيقاً، من خلال المظاهر التالية:

1- جاء الإسلام هادياً للعقل، فيما يتعلق بالعقائد الخاصة بالله، وبرسله، وباليوم الآخر، وبالغيب الإلهي.

2- ربط الإسلام، بين العقل والقيم الأخلاقية كالخير، والفضيلة، وما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني عامة.

3- نادى الإسلام، بضرورة إعمال العقل في مسائل التشريع، التي تنظم المجتمع، وتقيم الحياة الإنسانية.

-3-

وكان لكل هذا، علاقة كبيرة بالتغيير في العالم العربي.

وسنفهم هذه العلاقة أكثر فأكثر، عندما نربط التغيير العربي المنشود بالجهود الدولية الغربية، التي تبذلها أوروبا وأميركا على وجه الخصوص، من أجل دفع عجلة التغيير في العالم العربي إلى الأمام لمصلحة الغرب وأميركا أولاً، ولمصلحة المنطقة ثانياً.

فمن الواضح أن التغيير في العالم العربي، لن يتم على كل المستويات بجدية، دون دعم معنوي وسياسي واقتصادي وثقافي ومالي غربي.  فالعرب يدٌ واحدة فقط. واليدُ الواحدة لا تُصفِّق.

وحتى اليد الواحدة العربية، لا تصلح أن تصفق مع يد الغرب، لأن يد العرب مشلولة الآن، وبحاجة إلى علاج طويل الأمد من الشلل السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي. وقد أدى هذا كله إلى إصابة العرب بمرض (فوبياوي) جديد، وهو مرض تروبوفوبيا Tropophobia، وهو الخوف من التغيير والخوف من الانتقال من حال إلى حال، كما أنه الخوف من اتخاذ القرار. واستفحل هذا المرض بالعرب، فأدى بهم- على جهلهم- إلى حالة من الإنكار، والاستكبار الفرعوني المقيت، والتعالي عليه "فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ" (العنكبوت: 39).

فعندما شخّص أحد التقارير السابقة الصادرة عن الأمم المتحدة للتنمية البشرية، الأمراض العربية المستعصية (الأمية، والفقر، والفساد، والدكتاتورية العسكرية والحزبية والقبلية، والتخلف العلمي، واضطهاد المرأة... إلخ). أنكر العرب شعوباً، وحكومات، ونخباً، الحقائق الواردة في مثل هذه التقارير. وعندما صدرت المزيد من هذه التقارير في الأعوام التالية، رفضت الدول العربية جميعها، استضافة المؤتمر الصحافي السنوي لْمُعدي هذه التقارير للإعلان عنها، ونشرها.

-4-

كيف يمكن علاج مرض فوبيا التغيير (تروبوفوبيا Tropophobia)؟

يقول الطبيب النفساني المغربي د. أحمد شيشاني:

"الفوبيا، نوع خاص من أمراض نوبات الهلع، والذعر الشديد، وهو خوف كامن مزمن، وغير مبرر، وغير منطقي من سلوك معين، يؤدي لقيام المريض بمحاولات واضحة للهروب من موقف ما، لمواجهة الشيء، أو الظرف الذي يعتبره المريض خطراً على حياته".

فهل فوبيا التغيير (تروبوفوبيا Tropophobia) سببه هروب العرب من التغيير ذاته، وكرهاً له، وخوفاً منه؟

فلا مهرب للعرب من الخوف من التغيير غير مواجهة التغيير ذاته، وركوب أمواجه المتلاطمة، وتحدياته الكثيرة، وثمنه الغالي!

* كاتب أردني

back to top