نعم الأوضاع في الكويت متكلسة ولا استجابة للقضايا الشعبية الملحة، ولا معالجة حقيقية للفساد للانخراط في الإصلاح الجدي، بل هناك إحساس لدى السُلطة بأن الأوضاع تحت السيطرة، خاصة بعد أن قضت على ما سمي بالحراك الشعبي الذي استمر عامين وانتهى الأمر لمصلحتها، وهي تتصور أنه مهما تفاقمت القضايا فلن يكون لها أثر جدي عليها، ولذلك "طنشت" تنفيذ قانون كشف الذمة المالية حتى الآن، ومررت البرلمان الجديد بنوابه دون تطبيقه، وتتجاهل كل ما يُكتَب ويصرح به عن إلغاء بناء 4 مستشفيات جديدة بسبب تدخلات من متنفذين رغم الغضب الشعبي تجاهه، بجانب ما يثار عن قضايا فساد كبيرة.

Ad

ولكن المفجع أن السُلطة لا تقدّر خطورة معاناة شريحة كبيرة من الشباب بسبب المعضلة التي تتعلق بمشكلة السكن وتحديداً بسبب الارتفاع الهائل في الإيجارات التي أصبحت تتجاوز أحياناً 50 في المئة من دخل الأسر الناشئة، وهي حالة تنمّ عن الفوضى في تسعير الخدمات في البلد بسبب سطوة مجاميع النفوذ المختلفة وهيمنتها على القرار في جميع أجهزة الدولة، فوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والمنتديات العامة والخاصة تعكس يومياً صيحات ومناشدات الاستغاثة من الشباب لعدم قدرتهم على توفير مقومات الحياة المناسبة لأسرهم بسبب ارتفاع قيمة إيجارات الوحدات السكنية بمختلف أنواعها.

أتوقع أن تكون ردة فعل الحكومة على ذلك كالعادة مرحلية ومؤقتة، وربما تتفق مع مجلس الأمة على زيادة بدل الإيجار، وهو ما سيضاعف الأزمة ويضخم قيم الإيجارات، وتعلن عن تدبير آخر بتجهيز خطة إسكانية ورقية لن يُنفَّذ منها شيء بالسرعة المطلوبة، بينما الحلول الجدية مثل إنشاء مدن جديدة (الحرير أو الصبية) وربطها بجسور وقطارات مع العاصمة مازالت تراوح منذ سنوات في أجهزة الدولة، وتشلها صراعات المتنفذين عمن سيفوز بمناقصاتها وعطاءاتها، ولن تنتفض السلطة التنفيذية على تلك الحالة، وكأن لسان حالها كحال الحكومات المتعاقبة الفاترة المكبلة، يقول: "ليذهب الشباب الذين يعانون إلى (....) فأنا على حالي باقية".

الوضع يتفاقم ويتطلب تحركاً سريعاً يتمثل في مواجهة جدية للمشكلة بقانون للمصلحة العامة يلحق بقانون الإيجارات، بتشكيل لجنة تقييم الإيجارات لتضع سقفاً لإيجار الوحدة السكنية وفقاً لمساحتها ومرافقها وموقعها لا يمكن تجاوزه، وربط الزيادة السنوية للقيمة الإيجارية وفقاً لنسب التضخم التي يعلنها جهاز الإحصاء المركزي سلباً أو إيجاباً، وهو أمر معمول به في بعض الدول الأوروبية وفي إمارة دبي التي جمدت زيادة قيمة الإيجارات فترةً، وألغت العقود التي تجاوزت تلك التدابير والشروط.

البعض سيشكك في قدرة الحكومة ومجلس الأمة على سنّ قانون يكبح جماح فوضى إيجارات العقارات بسبب نفوذ الملاك، وبصراحة أكثر بسبب هيمنة أصحاب الأعمال والملاك على السلطتين التشريعية والتنفيذية في السنوات العشر الأخيرة، وأن المشكلة غالباً ستوضع لها مسكنات لتعود بعد فترة بشكل أكبر، خاصة أن كل المؤشرات توضح أن المشكلة الإسكانية أصبحت أكبر من قدرة الحكومة كما خلص الملف القيم الذي تنشره "الجريدة" عن القضية الإسكانية.

 وهنا نقول للسُلطة إن ترك مشاكل الشباب المعيشية تتفاقم دون حل سيكون له تداعيات اجتماعية وسياسية خطيرة، فلا تتجاهلوها، ففوق تعطل التنمية وصراعات المصالح والكراسي والمناصب وتخريب المشاريع الكبرى وتعطيلها ونهبها والمناورة بالإصلاح وعدم تنفيذ متطلباته، فوق كل ذلك، فإن الشباب لا يجدون لهم ولأسرهم سكناً وفقاً لقدراتهم المالية. هي قضية ستكون لها عواقب وخيمة في الشارع الكويتي، ومع علمنا أن توفير "فيلا" لكل أسرة في المستقبل سيكون أمراً صعباً، لكن ذلك لا يعني أن نترك الأسر الشبابية الناشئة فريسة للجشع ولا نتصدى على الأقل عبر قانون يعيد إلى سوق العقار توازنه لتحقيق المصلحة العامة.