في وقت نجحت الحكومة مجدداً في تجاوز التصعيد السياسي والاستجوابات السياسية، كشفت جلسة مجلس الأمة الأخيرة عن حالة فريدة من التذمر النيابي من أداء المجلس، فمَن كان يمنّي النفس سابقاً بأداء تشريعي ورقابي أفضل من المجالس السابقة، لم يجد لسان حاله اليوم سوى أن يدعو بأن تبطل المحكمة الدستورية المجلس.
هذا التحول النيابي في الموقف قد يفسره البعض بأنه ردة فعل "لحظية" لعدم تمكين المجلس النواب من مناقشة الاستجوابات وأداء دورهم الرقابي، غير أن المطالبات الجديدة من نوعها بإبطال المجلس مؤشر سياسي في غاية الأهمية لحالة الاستسلام التي يعيشها المجلس أمام الحكومة، وقدرة الحكومة على إدارة خيوط اللعبة.فجميع الاستجوابات التي قدمت في دور الانعقاد الأول لم ترَ النور بإرادة مجلس الأمة وتلبية لطلبات الحكومة -باستثناء استجوابَي وزير النفط المستقيل هاني حسين- وهناك استجوابات أخرى أُعلنت نية تقديمها، ولكنها أيضاً أجلت باتفاق نيابي- نيابي، أي أن أهم أداة رقابية في البرلمان أصبحت مجمدة، رغم إعلان رئيس مجلس الأمة علي الراشد في بداية الفصل التشريعي أن المجلس "يشمخ"، وإعلانه لاحقاً أن الهدنة الرقابية مع المجلس انتهت.النواب بدورهم، وجدوا في طرح القوانين "الشعبوية" والاقتراحات النيابية المثيرة للجدل، مخرجاً مناسباً لتغطية العجز الرقابي، فإذا كانت هناك أغلبية نيابية مستعدة لتأجيل الاستجوابات، فهناك أيضاً أغلبية نيابية لا تستطيع الوقوف أمام القوانين التي توزِّع الأموال العامة على المواطنين، حتى لو كانت لا تحقق مبدأ العدالة والمساواة، ولا تراعي الوضع الاقتصادي المحلي والعالمي.ففي جلسة تأجيل استجواب وزير الداخلية، أُقر قانون المعاشات الاستثنائية ومكافآت المتقاعدين العسكريين أصحاب الرتب المتوسطة، ولعل هذا القانون تحديداً يمثل أحد أوجه العبث بالمال العام، كما يعد انتهاكاً لمبدأ العدالة والمساواة، بل يفتح باباً لمطالبات مشابهة للمتقاعدين العاملين في الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى، فلماذا ينال ضابط الصف المتقاعد في وزارة الدفاع -على سبيل المثال- مكافأة مالية بينما يحرم المدرس المتقاعد منها علما أن جميع المتقاعدين حصلوا على مميزات وزيادات مالية في الفترة الأخيرة؟وعلى صعيد متصل، يستعد المجلس لاستعجال مناقشة اقتراح شعبوي آخر، هو قانون زيادة علاوة الأبناء رغم رفض وزارة المالية ومؤسسة التأمينات الاجتماعية له، كذلك هناك اقتراح زيادة بدل الإيجار إلى 250 ديناراً، الذي أقرته اللجنة المالية وعارضته أيضاً الحكومة، ممثلة في المؤسسة العامة للرعاية السكنية، لآثاره السلبية على المواطن، وعدم تحقيقه المساواة والعدالة، وما قد ينتج عنه من ارتفاع مضاعف للايجإرات السكنية.تعويض العجز النيابي الرقابي بالقوانين الشعبوية يمثل أضراراً متعددة الأوجه، فلا توجد محاسبة حقيقية لأعمال الحكومة خشية من حل المجلس وفقدان المنصب النيابي، فضلاً عن انحراف الدور التشريعي في التنمية الاقتصادية إلى توزيع الأموال العامة كهبات على المواطنين لشراء ودّهم كناخبين.ويبقى القول، إن هذه الصورة العامة لما وصلت إليه العلاقة الحكومية- النيابية في الجانب الرقابي، وجنوح النواب إلى القوانين الشعبوية، ستشهد تغييراً كاملاً بعد أن تُصدر المحكمة الدستورية قرارها في المجلس، فإما أن تتحقق "دعوات" النواب ويبطل، وينتهي فصل آخر من الصراع السياسي بشكل عام، أو قد يحصن المجلس ويستمر في مهامه، ما يعني تفجر صراع سياسي جديد في بداية دور الانعقاد الثاني.ِ
آخر الأخبار
تحليل سياسي: المجلس... بين «التشمخ» وتأجيل الاستجوابات
01-06-2013