يهيمن القرار الخاص بالسياسة النقدية الأميركية على بؤر التوتر المحتملة التي تؤثر في الأسواق، بدءاً من التقارير الاقتصادية الرئيسة، والعمل العسكري في سورية، إلى معركة أخرى حول الميزانية في واشنطن، والتوتر المتصاعد في الأسواق الناشئة.

Ad

ربما تمتع كثير من المستثمرين بعطلة نعِموا فيها بالاسترخاء خلال أغسطس، لكن أسواق الأسهم والسندات الأميركية لم تعرف مثل هذا الاسترخاء. 

من السهل أن ننظر إلى التقلبات في أسعار الأصول هذا الشهر ونفترض أنها كانت إلى حد كبير نتاج غياب المستثمرين ومكاتب التداول التي غاب عنها عدد من الموظفين. 

وفي الأسواق المحدودة التي توجد فيها أصول يصعب تسييلها، يمكن للأسعار أن تقفز بسهولة، وما يشير إلى هذا التطور هو أننا شهدنا التقلب في الأسهم وأسعار الفائدة يصل إلى مستويات عالية شهدناها آخر مرة في يونيو. 

وعندما يتم اجتياز عطلة نهاية الأسبوع الطويلة بسبب عطلة عيد العمال، سيصبح المستثمرون والمتداولون مشغولين تماماً من جديد مع الأسواق، لكن مع بداية سبتمبر الإحساس بالخوف لن يكون أمامه من مجال سوى الازدياد. 

والسبب في ذلك أن سبتمبر يتشكل حقاً ليصبح فترة محورية في الوقت الذي يرجح أن يكتشف فيه المستثمرون، بعد أشهر من الجدل الذي طال الأسهم والسندات الأميركية، مقدار السرعة التي سيبدأ بها الاحتياطي الفدرالي الخفض، أو «السحب التدريجي» لـ85 مليار دولار من مشتريات السندات الشهرية. 

انسحاب تدريجي

 

هذا القرار الخاص بالسياسة النقدية يهيمن على بؤر التوتر المحتملة الأخرى التي تؤثر على الأسواق، بدءاً من التقارير الاقتصادية الرئيسة، والعمل العسكري في سورية، إلى معركة أخرى حول الميزانية في واشنطن، والتوتر المتصاعد في الأسواق الناشئة. 

ومسألة الانسحاب التدريجي للاحتياطي الفدرالي من مشتريات السندات التي تتم بموجب برنامج التسهيل الكمي تقع في قلب التوتر الكامن الذي اتسمت به الأسواق الأميركية هذا الصيف، والذي وضع بالفعل عدداً من الأسواق الناشئة التي تعاني عجزاً كبيراً في الحساب الجاري في معاناة صعبة للغاية. 

وبداية النهاية في برنامج التسهيل الكمي أخذت أهمية كبيرة، على اعتبار أنه خلال السنوات الخمس الماضية كانت البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفدرالي، تشجع بصورة قوية أن يتجمع المستثمرون في الأصول الخطرة. 

ولأن التسهيل الكمي كان يضغط كثيراً على أسعار الفائدة، والأهم على تقلبات الأسعار، فقد اضطر المستثمرون إلى السعي نحو الأصول الخطرة. 

والآن، مع تفكير الاحتياطي الفدرالي في تقليص بعض الدعم، ربما يكون اضطراب هذا الصيف عينة لما هو آت في شكل عائدات سندات مرتفعة في الأجل الطويل وتقلبات أعلى في الأسواق. 

وسيجادل بعضهم بأن الانسحاب التدريجي من جانب الاحتياطي الفدرالي تظهر آثاره إلى حد كبير في الارتفاع الحاد الذي شهدناه في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل منذ مايو.

 

عائدات طويلة الأجل 

 

ومع تشديد الاحتياطي الفدرالي على أنه ليس في عجلة من أمره لرفع أسعار الفائدة لليلة واحدة، يعتقد سوق السندات أن هناك حدوداً للمدى الذي يمكن أن ترتفع إليه العائدات طويلة الأجل من هنا. ونتيجة لذلك، ينظر إلى عائد بنسبة 3 في المئة على السندات لأجل عشر سنوات من قبل كثير من الناس كما لو أنه تحديد للحد الأعلى في معدل الفائدة الرئيسة هذا. 

لكن قبل اجتماع الاحتياطي الفدرالي الشهر المقبل، يبرز خطر اقتراب عائدات السندات من نسبة 3 في المئة وتجاوزها هذا الحد، لاسيما إذا تبين أن أرقام الوظائف لشهر أغسطس، التي تصدر هذا الأسبوع تقف إلى الجانب القوي من التوقعات، وإذا أشار الاحتياطي الفدرالي إلى انسحاب بقيمة 25 مليار دولار أو نحو ذلك، بدلاً من الآمال الحالية المتواضعة التي تتوقع أن يكون المبلغ 15 مليار دولار شهرياً. 

وبدورها سوف تواجه الأسهم مزيداً من الهزات الداخلية في الوقت الذي تعاني فيه القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة من الركود، بينما تجد الأسهم الأكثر تأثراً بالاقتصاد بعض الدعم. وبمجرد أن يبدأ الاحتياطي الفدرالي الانسحاب التدريجي، سيعتقد المؤمنون بسوق الأسهم الصاعدة أن الإجراءات الأقل من التسهيل الكمي ستعتبر تصويتاً بالثقة في الاقتصاد، الذي يعتبر في نهاية المطاف أخباراً جيدة لسوق الأسهم، على الرغم من الارتفاع الكبير له منذ نوفمبر. 

وبالتأكيد لاتزال وول ستريت تؤمن بسوق الأسهم الصاعدة، ويتنبأ كثير من المحللين الاستراتيجيين البارزين أن مؤشر ستاندار آند بورز سوف يرتفع إلى ما فوق 1700 نقطة، وأن يقفل نهاية العام في منطقة الأرقام القياسية. 

 

التسهيل الكمي

 

لكن ما لا يمكن التنبؤ به للأسواق في سبتمبر هو أنه في حالة أخرج الاحتياطي الفدرالي مقداراً أقل من التسهيل الكمي، يمكن للمستثمرين أن يقرروا إلى حد كبير أن الفترة الطويلة من التقلبات المنخفضة قد انتهت وأن الوقت قد حان للخروج من السندات والأسهم. 

وفي وجود التسهيل الكمي، كان الشعار المنتشر بين المستثمرين «لا تقاتل الاحتياطي الفدرالي»، لكن بمجرد أن يبدأ  البنك المركزي التراجع، ولو ببطء، عن طبع النقود، ستبدأ قوى السوق الرئيسة ممثلة في السيولة وعلاوات المخاطرة، في لعب دور أكثر بروزاً في كيفية تصرف أسعار الأصول. 

وبحسب لينا كوميليفا، من جي بلس إكونومكس: «الانسحاب التدريجي للاحتياطي الفدرالي هو أكثر من مجرد عبارة من كلمتين»، مضيفة أن المستثمرين يواجهون زيادة في نقص السيولة في السوق وتقلبات علاوات المخاطر التي «توجد إحساساً باللبس بين المستثمرين بشأن سعر المقاصة الطبيعية بين السندات والأسهم». وبالنسبة للمستثمرين ربما يتجلى بصورة واضحة أن أخذ استراحة من العمل خلال أغسطس كان قراراً حكيماً، لأنهم سيحتاجون إلى كثير من القدرة على التحمل لتخطي أي تصاعد في تقلبات السوق خلال الأسابيع المقبلة.

(فايننشال تايمز)