في كتابه «نجران، نجرامتروبوليس ومدخل إلى نجران الحديثة 24 ق.م إلى 1994م»، يشير المؤلف محمد أبو ساق إلى أن نجران على مدى قرن ونيف من الزمن كانت مركزاً اقتصادياً مهماً لوقوعها على طريق القوافل التجارية التي تجوب العالم القديم. كذلك كانت مسرحاً للمحرقة التاريخية التي ارتكبها الملك الحميري اليهودي (ذو نواس) ليجبر نصارى نجران على الدخول في اليهودية، فلما رفضوا ألقاهم في الأخاديد التي حفرها لهم وأضرم النيران فيها، وهو الحدث الذي سجله القرآن الكريم في سورة البروج.

Ad

يضيف أبو ساق أنه لو لم تكن لنجران القديمة ميزة تضرب بجذورها في بطون التاريخ إلا ذكرها في القرآن لتسجل شهرتها في سجلات التاريخ. كذلك كانت في العصر الحديث مسرحاً للصراع السياسي والعسكري بين المملكة المتوكلية اليمنية والمملكة العربية السعودية، إلى أن حُسم الصراع بانضمامها إلى الأخيرة، تحقيقاً لرغبات شيوخ القبائل والأهالي. وقد سجل النجرانيون تاريخهم الطويل، القديم والوسيط والحديث، نحتاً على الصخور، وذكراً في المصادر التاريخية النصرانية والإسلامية، وسرداً لكثير من روايات تناقلتها الأجيال عن عبقرية المكان والإنسان في نجران.

قسَّم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول، الأول «نجران في سجلات التاريخ» ويقع في مقدمة ومبحثين، يتضمن المبحث الأول معلومات جغرافية عن نجران القديمة من الموقع والمساحة. أما المبحث الثاني فيتناول فيه أبو ساق العوامل التي أكسبت نجران أهميتها التاريخية، كالموقع الاستراتيجي وخصوبة التربة ووفرة المياه واعتدال المناخ وازدهار التجارة، كذلك يتناول تاريخها الديني القديم، فيتحدث عن الديانة النصرانية فيها، وكعبة نجران ومعابدها، وحادثة الأخدود، ودخول الإسلام إلى نجران، وأخيراً يتكلم عن شهرة رجالاتها وحكمتهم. أما الفصل الثاني الذي أتى تحت عنوان «نجران قبل الحكم السعودي»، فتناول في مبحثه الأول الأوضاع العامة في شبه الجزيرة العربية قبل الحكم السعودي، بينما في المبحث الثاني تحدث المؤلف عن أحوال نجران قبل الحكم السعودي، فتكلم أبو ساق عن مجمل الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية والأمنية والسياسية في نجران قبل انضمامها إلى المملكة العربية السعودية. في الفصل الثالث «نجران في الحكم السعودي»، يتناول المؤلف في المبحث الأول المرحلة الانتقالية التأسيسية ودور الأمير سعود بن عبد العزيز فيها، وفي المبحث الثاني يتحدث عن مرحلة النهضة التنموية الشاملة في نجران وعن مجالاتها ومظاهرها.

موقع استراتيجي

شغلت نجران موقعاً استراتيجياً متميزاً على خارطة العالم القديم، فكانت إحدى أهم مدن القوافل التي تقع على طريق التجارة القديمة بين الشام واليمن، والذي يعرف بطريق البخور، فقد كانت نجران بمثابة بوابة عبور القوافل التجارية إلى المواقع الداخلية في شبه الجزيرة العربية.

يفيد الكاتب أن مع انتشار النصرانية في نجران بدأ الموسرون من الأهالي بإقامة المعابد والصوامع التي تقام فيها الطقوس الدينية. مما جعلها مركزاً دينياً وحضارياً متميزاً، فاستقطبت الكثير من السكان، وأصبح لنجران جيش للدفاع عنها، بلغ تعداده 20 ألف مقاتل. ولم تكن معابد نجران وصوامعها تستخدم في العبادة وإقامة الطقوس فحسب، بل كانت أيضاً في إنذار السكان من خطر الأعداء عن طريق دق النواقيس وإشعال النيران في الصوامع. غير أن أهم المراكز الدينية في نجران وأشهرها تاريخياً «كنيسة نجران» التي بناها بنو عبد المدان.

المرأة  

احتفظ المجتمع النجراني للمرأة بمكانتها وأهميتها، نظراً إلى ما تؤديه من أدوار رئيسة في حياة الأسرة النجرانية، فهي التي تتعهد الصغار منذ ولادتهم، وتبث فيهم معاني الرجولة والشجاعة. كذلك كانت المرأة النجرانية تهتم بالماشية وحياكة الصوف. وقد اتخذ اهتمام النجرانيون بالمرأة مظاهر عدة، من بينها: الحفاظ على سلامة المرأة وأمنها وعدم التعرض لها بما يخدش حياءها أو ينتهك كرامتها أو سلامتها وأمنها الاجتماعي، واعتبار ذلك مسؤولية المجتمع كله وليس محارم المرأة أو أقاربها. كذلك احترام الزوج لأهل زوجته والاعتزاز بهم، وتنشئة الأولاد على تقدير أخوالهم وإكبارهم، حتى في حالة اختلافهم مع قبيلة والده. والحرص على حصولها على حقوقها كافة والوقوف إلى جوارها في هذه الحالة، حتى تحصل على استحقاقاتها المادية والأدبية، ولو كانت لدى زوجه نفسه. إضافة إلى ذلك قبول الأعيان والوجهاء وكالاتها في إدارة شؤونها والمطالبة بحقوقها، وذلك لعدم تعريضها للمشقة والتعب أو الطمع في حقها من بعض ضعاف النفوس.

شهرة  

يشير أبو ساق إلى أن شجاعة النجرانيين وبسالتهم، وحكمة رجالها وكياستهم، كانت أحد العوامل الرئيسة التي أكسبت نجران شهرتها وأهميتها التاريخية، ويتضح ذلك من أمور عدة: كانت نجران موطناً لأكبر القبائل العربية وأشهرها. ولم تكن شهرتها مقصورة على نجران بل كانت ذائعة في بلاد العرب كافة. إلى ذلك حرصها على اقتناء الأسلحة والخيول وآلات الحرب.

كما يلفت المؤلف، فإن الحياة الاجتماعية في نجران كانت تخضع لمنظومة من الأعراف المستمدة غالبيتها من الدين الإسلامي. وكان لتلك المنظومة تأثيرها القوي على حياة الناس، فكان يعد الخروج عليها أو التهاون فيها مدعاة للوم والتوبيخ والنبذ الاجتماعي. بل إن بعض هذه العادات والتقاليد كان يُدون في وثائق ويشهد عليه الشهود، لكون أقوى وأشد إلزاماً لأفراد القبيلة التي تعاهدت عليه. ويفيد أبو ساق أن المجتمع النجراني متعصب لعاداته وتقاليده، ويبرز ذلك من خلال: أنهم لا يتنازلون عن عاداتهم مهما كانت الأسباب. وحرص النجرانيين، حتى عهد قريب على بناء بيوتهم من الطين، وحبهم لأكلاتهم الشعبية بالطريقة التي كانت تؤكل بها في ما مضى. وحرصهم على الحفاظ على تقاليدهم وفنونهم الشعبية التراثية في الاحتفالات العامة أو المناسبات الخاصة. وتعلقهم الشديد بتراثهم الاجتماعي، وموروثهم الثقافي غير المادي المتمثل في جملة مكونات.