مما يدل على مدى الهوان الذي وصلت إليه سورية أن نظامها، نظام المقاومة والممانعة، لم يجد ما يهدد به إسرائيل ويرد على عدوانها السافر، الذي ستكشف الأيام أنه أكبر كثيراً مما ذكرته البلاغات الرسمية التي وصفها أحد وزراء حكومة بشار الأسد بأنه كان سخيفاً ولا صلة له بخطورة ما جرى على الأرض، سوى السماح لما اعتبره "تنظيمات المقاومة الفلسطينية" بالقيام بعمليات فدائية عبر هضبة الجولان المحتلة التي، كما هو معروف، بقيت مغلقة أمام مثل هذه العمليات على مدى ستة وأربعين عاماً أي منذ عام 1967 حتى الآن.

Ad

فهذه المقاومة التي استنجد بها نظام بشار الأسد، الذي ينطبق عليه فعلاً، وبخاصة في هذه الأيام، القول الشعري: "أسد علي وفي الحروب نعامة"، هي مجرد بقايا تنظيمات تقطعت بها السبل، ومقاتلوها الذين أراد هذا النظام أن يلقنوا "العدوان الصهيوني" درساً لن ينساه، هم أعداد من المتقاعدين الذين بقوا على الأطلال بعدما أصبحت الحركة الوطنية الفلسطينية بثقلها الرئيس في الضفة الغربية وغزة والمتمثلة بحركة "فتح" وحركة "حماس" والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية.

والمعروف أن بعض هذه التنظيمات التي هي بقايا انشقاقات كانت افتعلتها المخابرات السورية داخل فصائل العمل الفدائي الرئيسية، كان دورها على مدى الأعوام منذ بدء ظاهرة الكفاح المسلح مجرد "بنادق للأجرة" وبقيت تؤجر بنادقها لمن يدفع أكثر في البدايات إلى معمر القذافي الذي استخدمها لمطاردة المعارضة الليبية التي كان يسمي المنتسبين إليها "الكلاب الضالة"، ولاحقاً إلى النظام الإيراني الذي كان السفير في دمشق محمد حسن أختري وكيلاً لإمامه في سورية ولبنان وبالطبع في الساحة الفلسطينية، والذي كان هو المسؤول عن إدارة هذه التنظيمات.

وبهذا فإن فلول التنظيمات الفلسطينية التي عَلِقتْ في دمشق، والتي بحكم تكوينها وارتباطاتها والمهمات التي أنشئت من أجلها بالأساس غير مؤهلة للرد على العدوان الصهيوني على سورية، ثم وعلى افتراض أنها قادرة على الرد على هذا العدوان فإن استخدام النظام السوري لها لن يتعدى بعض الاستعراضات المضحكة، على غرار ما جرى عندما تعرضت هضبة الجولان المحتلة لقذيفتي "هاون"، وذلك لأن هذا النظام يعرف بحكم خبرته الطويلة أن أي عمل ارتجالي كهذا سيفتح أبواب جهنم الإسرائيلية عليه لا محالة.

"أبْشرْ بطول سلامة يا مربع"، وحقيقة، إن معادلة الصراع المستجدة في سورية هي أكبر كثيراً من فلول هذه التنظيمات الفلسطينية في دمشق التي عجزت عن الدفاع عن مواقعها ضد الجيش السوري الحر في مخيم اليرموك، فهناك الآن مواجهة دولية وإقليمية على الساحة السورية لا يشكل فيها متقاعدو الانشقاق عن منظمات العمل الفدائي الفلسطيني شيئاً، وهناك الآن لعبة خطيرة أدخل نظام بشار الأسد نفسه فيها عندما رفض المصالحة مع شعبه منذ البدايات، وعندما فتح أبواب "بلده" للتدخل الروسي والإيراني السافر، واستنجد بـ"حزب الله" على أساس طائفي ليدخل المعركة ضد الشعب السوري وعلى الأرض السورية.

إنه لن يكون هناك أي رد على الغارة الإسرائيلية الأخيرة التي وصفها أحد وزراء الحكومة السورية بأنها خرق لـ"هدنة" غير معلنة بين سورية وإسرائيل، وذلك حتى لو أن الإسرائيليين كرروا هذه الغارة مرات عدة فهذا النظام بات أضعف من أن يُقدِم على مواجهة يعرف سلفاً أنها ستكون خاسرة، وجيش هذا النظام الذي تحول إلى مجرد شراذم وميليشيات طائفية لم تعد لديه أدنى مستويات اللياقة العسكرية الاحترافية للدخول في اشتباك عسكري مع الجيش الإسرائيلي الذي، وللأسف، كان ولا يزال أقوى جيش في الشرق الأوسط وفي هذه المنطقة.