هناك ما يشي دائماً بحِمل قادم، يحمل في طياته الألوان كلها بزهوتها وبهائها وبهجتها، في خضم حالة انفصام الشخصية، والذوات المتضخمة، والانزواء الداخلي، والكراهية المنتشرة، المخلوطة عمداً بالسياسة والدين، والتمييز الغبي. في إطار التشوهات الظاهرة التي قرحت وجه المجتمع وأفسدته، يبزغ لنا، سعود السنعوسي بروايته "ساق البامبو” بملامحها الإنسانية في محيطٍ تنقسم فيه الهويات، طارحاً الأسئلة أكثر من الإجابات. ربما كان فوز سعود بجائزة "البوكر” العربية عن رواية موغلة في الإنسانية والتداخل القسري بين ثقافة آسيوية وعربية، مؤشراً على وجود مقاومة للقيم السائدة القائمة على رفض الآخر والتعالي المهدر الإمكانية والقاطع للنفس.

Ad

في ذات اللحظة التي يفوز فيها سعود بعمله الروائي الإنساني، يقيم الصديق الفنان التشكيلي عبدالوهاب العوضي معرضه الجديد للوحات كاريكاتيرية تحت عنوان "الصمت يروي”. وكالعادة عندما يقول لك عبدالوهاب إن ما قدمه في معرضه الأخير هو فن صامت، كما أخبرني وهو يدعوني إلى الحضور، فلا تصدقه، فقد تكون الرسومات صامتة ولكنها تصدح بقوة، كهدوء الرعد، بما في هذا العالم من ظلم وقسوة.

اللوحات الرباعية التي قدمها عبدالوهاب العوضي لم تتوقف عن الغوص في شغله الشاغل، الإنسان وحريته وكرامته وحقوقه، ولم تقتصر على بلد بعينه، بل ساحت في آفاق الدنيا. صورة بانورامية للإنسان بكل زواياه، حملها عبدالوهاب وظل منذ زمن طويل مُصراً على أن مجتمعاً بلا حرية ولا عدالة هو مجتمع للوقت الضائع. والجميل أن عبدالوهاب ظل محافظاً على مقاييسه ومعاييره دون إفراط ودون تفريط على مدى أكثر من ثلاثة عقود منذ أن تعارفنا، وظل وفياً لتلك القيم ناشراً لها بحب وأناة وتركيز.

ومع أن عبدالوهاب وسعود من جيلين مختلفين، إلا أن الترابط ملحوظ في القيمة الإنسانية العامة. وكأن سعود مع اختلاف حرفة التعبير الفني لديه يمثل امتداداً لقيم عبدالوهاب الإنسانية، أو ربما ابن شرعي لتلك القيم، التي يمثل ترابطها أملاً في مجتمع أكثر تراحماً وأكثر عدلاً، وهو ما يفترض أن نصبو إليه جميعاً.

نبارك لعبدالوهاب العوضي معرضه الشخصي الكاريكاتيري الإنساني "الصمت يروي” كما نبارك لسعود السنعوسي فوزه بجائزة "البوكر” العربية عن روايته "ساق البامبو”، فلربما أنهما أخرجانا من حلبة الصراع السياسي المؤذية وطرحا أفكاراً جديدة لمجتمعات أكثر إنسانية مما يزعمون.