يعرض مهرجان غاسيلي في موربيهان جزءاً من صور المصور الألماني جان س. شليغل حتى 30 سبتمبر المقبل، وقد اختار الفنان عنواناً لمعرضه {اينيكولور}.

Ad

صور شليغل ثمرة سنوات من التنقل بين البلدان الأفريقية، وفي الأماكن التي ما زالت تعيش فيها القبائل والناس على سجيتها، وطبيعتها، وبدائيتها، وعفويتها، وتقاليدها، بعيداً من {الحضارة} والمدن، والتكنولوجيا والنمطية الحديثة. فمن ألمانيا الحديثة إلى أفريقيا: كأنها حكاية حب وعشق بين المصور وشعوب لها ثقافتها المختلفة، تابعها المصور، من الأدغال، إلى الغابات والنباتات، إلى الحيوانات، ووقع في عشق هذه الشعوب وقد سبقه في المجال إدوارد س. كورتيس قبل قرن مع الهنود الحمر أميركا، إذ اهتم بتراثهم وثقافتهم.

على أن جان شليغل أحس أنه يحتاج إلى أن يخلّد بالصورة هؤلاء الرجال والنساء المهددين دائماً بمصائر غريبة، حيث الثقافة والممتلكات تشكل روح 60 بلداً زارها يقول المصور {في غضون عشر سنوات، قد تختفي هذه الشعوب عن وجه الأرض. ولا يمكن فعل شيء إزاء ذلك، ولكن يمكن ألا ننساها. ولهذا وجدت الصور}. تبدو الصور كأنها متخيلة أو صادمة لشعوب باتت تشبه بعضها في زمن العولمة والتكنولوجيا، وقد تأثر شليغل بـ إريفين بين، أحد كبار مصوري الموضة في القرن العشرين، والمشهور ببورتيهاته بالأبيض والأسود الحساسة، والجذابة. كذلك تأثر بطوني شنيدر وولتر شيلتز، مصورا بورتريه ألمانيان. يقول: {بعزل الشخص، تتيح البورتريه تأثير أهميتها، وقيمتها}. برأيه، يجب أن تكون الصورة مفيدة وفاعلة ومتحررة من الانغلاق والقماشة البيضاء. وهو يحاول من خلال صوره القبض على جوهر الشعوب، ولا يتصرف كسائح.

من ضمن الدول والشعوب التي زارها شليغل قبائل في أثيوبيا، مصر، الجزائر، ناميبيا، أفغانستان، وباكستان، ولكل واحدة من هذه القبائل عاداتها {الإنتربولوجية} والإثنية والبدائية التي تلفت الانتباه وهي مهددة من دون شك بالزوال.

ضد الشمولية

انطلق شليغل بالتصوير في الرابعة عشرة من عمره، وبدأت حماسته للتصوير بالأبيض والأسود، وفي سن الثامنة عشرة تدرب مهنياً على التصوير، وخلال سنواته التالية روى عطشه بجولاته في العالم. من إثيوبيا إلى مصر، من ناميبيا الى باكستان، حاول استخلاص «روح الشعوب»... فما إن يصل إلى قرية حتى يقيم علاقة بالأهالي: «أنا لست مجرد سائح. فأنا أطلب دائماً إذناً من زعيم القبيلة للبقاء في القرية وأفسر له ما أريد فعله بفضل مترجم». ونجح ليس في التقاط صور فنية فحسب، بل في توثيق وحفظ الأعمال الفنية الفريدة للناس أنفسهم.

الناظر إلى أعمال شليغل يلتقي بالثقافات الأجنبية والبدائية، يكتسب البصيرة في واقع هؤلاء الناس، يشعر بدينامية داخلية في التصوير وأسلوب في التراكيب والصور، واللعب بالضوء والظل. ويبدو الفنان من خلال صوره كأنه يكافح ضد الشمولية والأحادية التي تفرضها ثقافة العولمة والتي تقضي على الثقافات المتنوعة والتمايز والفردية، خصوصاً لدى الشعوب البدائية.

يعمل شليغل راهناً مع جامعة الأمم المتحدة. يدرس دورات في التصوير الفوتوغرافي، ويأخذ الطلاب في جولات أفريقية وأسيوية تكشف رؤيته في التصوير. حتى الآن سافر إلى 61 بلداً وما زال يسعى وراء الجمال والتنوع في الشعوب المهددة بالانقراض.

كل صورة من صور شليغل قصة بحد ذاتها، بل تشكل مادة لدراسة اجتماعية ولو أن كلود ليفي شتراوس كان يرافقه لربما من دون مجلدات عن تلك الشعوب. شليغل ومن خلال قبضه بالصور على ذاكرة الشعوب المهددة بالانقراض، يجعلنا نسأل عن مصير لغات هذه الشعوب أيضاً، فهي مهددة بالزوال في زمن التوحش والحداثوية.