الحب أكثر الضيوف حساسية ودلعاً ودلالاً على الإطلاق، لا يطيق البقاء لحظة في ضيافة قلبين لو أحس بأن أحد مستضيفيه لمّح، ولو مجرد تلميح بأنه بدأ يشعر بالملل في حضرته أو السأم.

Ad

يغادر حتى دون استئذان، ودون أن يترك ورقة اعتذار على طاولة الطعام، وبالتأكيد لن يرسل باقة زهور يشكر فيها مستضيفيه على حسن الضيافة طوال مدة إقامته معهما بعدما يرحل.

الحب عندما يُستضاف يريد أن يشعر في كل لحظة أنه محل ترحيب، وأن من استضافوه سعداء بوجوده، وعلى استعداد للتعبير له عن امتنانهم طوال الوقت أنه قبل دعوتهم، ولا مانع من تكرار ذلك بمناسبة ودون مناسبة.

لا بد أن يختار أفضل الغرف في البيت محلاً لإقامته،وأن يقوم كل من في البيت على خدمته،وأن يسهروا على راحته،وأن يبذلوا كل جهدهم لتلبية طلباته حتى وإن إتّصف بعضها بالسخف أحياناً!

يتحكم بمواعيد الأكل، ويتصدرّ طاولة الطعام عند إعداد السفرة، ويتحكم بمواعيد الزوار وعددهم وشخصياتهم، يتدخل بكل شؤون البيت الذي يستضيفه، ولا يسمح لأحد أن يمسك جهاز التحكم الخاص بالتلفاز سواه إلا بعد إذنه، يفرض نوعية الافلام التي تُشاهد، والأغاني التي تُسمع، بل نوعية الأحاديث التي تحكى وقت السمر!

القلوب التي تستضيف الحب لابد أن تدرك جيداً هذه الشروط قبل أن تستضيفه، وأن تعي جيدا فرط حساسيته، فعندما يكسر عبثاً قطعة من القلب لا بد أن نبتسم له ولا نشعره بغضبنا، أو حزننا على ما قام بكسره، بل لا بد أن نسارع بالقول: فداك! وإلا سيسارع بحزم حقائبه والرحيل عاجلاً بلا ندم علينا أو أسف، ولن يصغي لتوسلاتنا له بالبقاء،ولن يقبل اعتذاراتنا المطرزة بأصواتنا المنكسرة، ولن يلتفت الى مبرراتنا التي نرمي بها تحت قدميه، سيدوسها في طريقه بكل صلف، هازئا بنا وبها، ولكي يشعرنا بالحسرة وبقيمة خسارتنا لن يذهب بعيداً ربما، بل سيطرق أقرب قلب لنا ليرينا مقدار الحفاوة التي يُستقبل فيها.

الحب يمارس سطوته وسلطته هذه من موقع قوة، فهو يعرف أنه لو خرج من أي قلب يقيم فيه، فلن يبقى في الشارع، ولن ينام على الرصيف، سيجد قلوبا كثيرة تدعوه وتتمنى أن يشرفها في البقاء فيها ولو قليلا من الوقت، تتمنى أن يشاركها ليلة أو بعض نهار، أو يتقاسم معها قطعة خبز، أو قطعة موسيقى، أو لحظة جنون.

الحب يعرف أن لديه دعوات كُثرٌ مؤجّلة، وأنه «يصطفي» بعض الدعوات من بين تلك الدعوات الموجهة اليه، ويختار منها ما يريد ويرفض منها ما يشاء، لذا يتصرف الحب بعنجهية أحيانا مع مستضيفيه ولا بد أن يقبل مستضيفوه هذه العنجهية ويباركوها، ليمنحهم الحب بركاته بالمقابل!

إنه يهوى أن يُدلّل في بيت مستضيفه، وأن تُحسن وفادته ورعايته والاهتمام بكل التفاصيل التي تجعل إقامته مريحة ومرفهة.