صفية بن زقر... بول سيزان السعودية

نشر في 27-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 27-02-2013 | 00:01
كان لافتاً أن تنشر صفحة «ألف ليلة وليلة» على {فيسبوك»، لوحات تشكيلية للفنانة السعودية صفية بن زقر، إذ قلّما نشاهد لوحات تشكيلية سعودية في الأساس في بلد يهتم كثيرون فيه بكتابة الشعر، وفي السنوات الأخيرة اشتهر بموجة روائيات وروائيين.
الأرجح أن الذي اختار لوحات بن زقر لنشرها على الـ «فيسبوك» كان موفقاً، عدا أهمية اللوحات من الناحيتين التقنية واللونية، فهي مستمدة إلى حدّ ما من طيف حكايات «ألف ليلة وليلة» وإن كانت الفنانة استوحت أعمالها كافة من النسيج الشعبي والاجتماعي في مدينة جدة السعودية. الأمر الآخر أن بن زقر متأثرة بـألوان الفنان العالمي بول سيزان الذي طالما سُحر بنساء الشرق في بعض أعماله التي تناولها المعارضون لثقافة الاستشراق، خصوصاً لوحته التي يصور فيها امرأة مغربية.

المصدر الذي حصلنا منه على معلومات تخصّ الفنانة صفية بن زقر هو موقعها الالكتروني. تعتبر أول فنانة سعودية تتلقى تعليماً أكاديمياً في فن الرسم وأول فنانة سعودية تقيم معرضاً لأعمالها الفنية، تميزت باختيار موضوعات تراثية مرتبطة بالنساء وعاداتهن ورسمت تفاصيل حياتية دقيقة في الحجاز ومظاهر العادات والتقاليد الشعبية.

محطات

ولدت صفية بن زقر عام 1940 في حارة الشام في جدة القديمة الشهيرة ببيوتها العتيقة، عندما انتقلت مع أهلها إلى القاهرة في أواخر عام 1947 لم تنفصل عن مسقط رأسها، بل ظل عبق الحارات يلازمها، وحنين خفي يشدها إلى موقع دافئ بأهله وثري بتقاليده وغني بعاداته، وعلى هذا صارت فنانة النوستالجيا بامتياز، كأنها تسابق المستشرقين على تلك الأزمان التي تذكرنا بثقافة «ألف ليلة وليلة» ولعبة الخيال المستمدة من الواقع الشعبي ومن الحكايات الشفوية.

 عام 1960 اتجهت صفية إلى بريطانيا لدراسة اللغات لثلاث سنوات. عادت إلى جدة، في مرحلة شهدت المدينة تحولاً نوعياً بعد اكتشاف النفط وطال التطور السريع كل شيء، فبدأت المدينة تخرج من حدود سورها المنيع وتمتد في كل اتجاه تاركة خلفها الحارات الضيقة التي تقارب بين البيوت الحجرية ذات الشبابيك الخشبية المزخرفة، وبدأ أهل جدة النزوح إلى منازل حديثة مبنيّة من الباطون المسلح، والإقلاع عن عاداتهم المتوارثة، واستبدال لباسهم المميز بما يساير الموضة الحديثة.

عام 1965 عادت صفية إلى القاهرة لتطوير هوايتها في الرسم من خلال دروس خصوصية، ثم التحقت بكلية «سانت مارتن» للفنون في لندن. حول  فنها تقول: «كان الرسم هواية نمت في البداية بالدراسة في القاهرة  من خلال دورات خاصة وليس كدراسة متخصصة، وفي لندن درست الغرافيك وكان لدي استديو لطباعة الغرافيك، وبعد عودتي إلى المملكة أقمت أول معرض لي عام 1968». رافق المعرض بداية تأسيس الحركة التشكيلية في المملكة وكان الفنانون يعدّون على الأصابع.

رسم التاريخ

ترسم بن زقر لوحاتها من منطلق الحفاظ على التراث، توضح: «أحببت التاريخ، وكان من الصعب عليّ أن أكتبه، فبادرت إلى رسمه، يحمل تراث الماضي معاني جميلة، وكان يحزُّ في نفسي أن أراها تندثر وتغيب إلى الأبد».

لم يكن في يد صفية شيء سوى ريشتها للحفاظ على  ذاكرة جدة، فبدأت تستعيد ذاكرة المدينة من خلال رسوماتها، بل وظفت عادات المدينة وتقاليدها، أفراحها وحيويتها وأحداثها وأنشطتها في لوحاتها. نقلت بدقة ما كان يجري في حارة الشام وفي الحارات المجاورة وما كان يدور في البيوت الحجرية الباردة وما كان يحدث خلف الشبابيك الخشبية المزخرفة.

  تظهر لوحات صفية بن زقر جوانب متعددة للحياة الاجتماعية في محيطها وبيئتها المحلية، وهذه هي المادة الأساسية لموضوعاتها الفنية بكل حميميتها وصدقها، توضحها رقة ألوانها وعذوبتها وتبرزها تكوينات كل لوحة وأبعادها في تناسق جميل وممتع.

يستطيع المتأمل في لوحات صفية بن زقر تلمس كيف تطور أسلوبها من مراحل تأثره  بالإطلاع والبحث والدراسة إلى أساليب كبار الفنانين خصوصاً بول سيزان، أو حتى من آثار فن شرق آسيا في التلوين التي تبدو جلية في لوحتها «امرأة بدوية» التي، ولو أخفيت أجزاء الوجه فيها، فإن معالجات الفرشاة بالأساليب  اليابانية أو الصينية تبدو واضحة في منطقتي الصدر والجسم.

وبحسب الدارسين لفن صفية بن زقر، فقد نجحت تدريجاً في التخلص من هذا التأثر حتى أصبح  لها أسلوبها المستقل الذي نجحت في أقلمته ليتناسب مع مظهرية التراث المستوحى في لوحاتها. وخرجت بخصوصيتها عن المألوف وصاغت لغة تشكيلية بمفردات مختلفة اعتمدت فيها على ملكة الخيال الذاتية.

بساطة وقوة

يتميز أسلوب صفية بن زقر ببساطة التكوين وقوة البناء والاهتمام بالكتل والأحجام، وقد نوعـّـت أدواتها الفنية بتنوع موضوعاتها مراعية التجانس والانسجام بين العمل والمادة المستخدمة في تنفيذه بتركيز وإصرار على تحقيق تلك الملائمة. ولما كان هدف صفية هو متابعة تسجيل التراث في مناطق السعودية كافة وتوثيقه، فقد لجأت إلى الرسوم الأولية السريعة من الصور الضوئية الفوتوغرافية، واستعانت بالمراجع والكتب وقصص الأجداد، لإعطاء المشاهد التراثية لبلدها مصداقية وحيوية والحفاظ على رونقها.

back to top