فخ الاضطرابات في الشرق الأوسط

نشر في 30-07-2013
آخر تحديث 30-07-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت يبدو أن حالة عدم الاستقرار تواصل الانتشار في الشرق الأوسط، حيث يأتي الانقلاب العسكري في مصر كحدث أخير يحرك هزات سياسية في أنحاء المنطقة المختلفة. إن مصر، بكتلتها السكانية الضخمة (85 مليون نَسَمة) وموقعها ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة، هي الدولة الأكثر أهمية على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط. ومواصلة عملية التحول الديمقراطي التي بدأت هناك في عام 2011 تشكل ضرورة ملحة. لقد أثبتت حكومة "الإخوان المسلمين" الإسلامية بقيادة محمد مرسي بوضوح تام عدم كفاءتها وعجزها عن ضمان انتقال ديمقراطي شامل. ولكن الحل الذي قدمته المؤسسة العسكرية في مصر بعيد عن المثالية، فالانقلابات تميل دوماً إلى تعقيد المشاكل، وليس حلها، وهذا الانقلاب ليس استثناء. فالنتيجة الأولى هي أن المجتمع المصري أصبح أكثر انقساماً حول مسألة الشرعية السياسية، فيستشهد أنصار مرسي بشرعية فوزه في انتخابات ديمقراطية قبل عام واحد- وعدم شرعية الانقلاب الذي قام به الجيش واحتجاز الرئيس المخلوع- في حين يدافع معارضوه عن شرعية الاحتجاجات الحاشدة التي انطلقت ضده في طول البلاد وعرضها. لقد حاولت جماعة "الإخوان المسلمين" الانطلاق لمسافة بعيدة للغاية وبسرعة بالغة، فتسببت بأجندتها الإسلامية في وضع مؤسسات الدولة الحساسة- وبالتحديد الجيش والقضاء- تحت ضغوط شديدة، واصطدمت بمطالب التحديث الليبرالية من جانب معارضيها. وقد احتفت "حركة تمرد"، التي نظمت الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بمرسي، بالقرار الذي اتخذته المؤسسة العسكرية بالتدخل.

إن هذه السابقة خطيرة من دون شك بالنسبة لديمقراطية وليدة. فلابد أن يكون الإسلاميون ممثلين من أجل ضمان عدم تخليهم عن صناديق الاقتراع كوسيلة لتحقيق أهدافهم. ولا يستطيع الإسلاميون ولا القائمون على المؤسسة العسكرية أن يبنوا نظاماً جديداً ضد إرادة جزء كبير من السكان. وعلى الرغم من أداء مرسي الهزيل في المنصب- حيث أشرف على عام كامل من التدهور الاقتصادي الخطير- فإن التوصل إلى حل يخدم قضية الاستقرار الوطني والإقليمي كان ليصبح أفضل كثيراً.

وفي المقابل، فإن الانقلاب الذي أتى بعد عام واحد من تشكيل حكومة منتخبة- وبعد بضعة أشهر من اللقاء الذي تم بين وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون ومرسي لوضع نهاية للأعمال العدائية بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة- قد يؤدي إلى إحباط عظيم بين الإسلاميين في أنحاء المنطقة المختلفة. الواقع أن الموقف الجيوستراتيجي في المنطقة تغير مرة أخرى منذ اللقاء بين كلينتون ومرسي، وكانت استجابة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متأخرة وغير مستقرة (برغم ما تشكله منطقة البحر الأبيض المتوسط من أهمية بالغة بالنسبة لهما). وليس من الواضح من الحليف ومن غير ذلك. ويتعين على الاتحاد الأوروبي بشكل خاص أن يتعامل مع المنطقة بسياسات أشد وضوحاً وأفضل تنسيقاً وأكثر فعالية.

بعيداً عن الوضع الداخلي، تواجه مصر مشكلة ملحة أخرى، فالمصريون يعتمدون على نهر النيل، وقد شرعت أثيوبيا في بناء سد الطاقة الكهرومائية الأضخم على الإطلاق في إفريقيا عندما يتم. وأعمال المشروع مستمرة على قدم وساق على الرغم من الاعتراضات القوية من الجانب المصري، والتهديد بالتدخل العسكري، وإذا تم بناء السد وفقاً للمخطط، فإن حجم المياه التي تتدفق إلى الشمال قد يقل بنسبة 20%، وهو ما من شأنه أن يعرض الزراعة المصرية وأرزاق الملايين من الناس للخطر. وقد يؤدي الانقلاب في مصر إلى عواقب إقليمية خطيرة أيضاً، فسورية لا تزال غارقة في حرب أهلية دامية حصدت حتى الآن أرواح أكثر من مئة ألف إنسان. وقد احتفل نظام الرئيس السوري بشار الأسد بسقوط حكومة "الإخوان المسلمين" في مصر، وهو يسعى الآن إلى استخدام فشل مرسي وإزاحته كمبرر لممارساته القمعية في الداخل، الأمر الذي يزيد من صعوبة إيجاد حل سياسي ينهي القتال في سورية.

ومن المرجح أن تصبح المعارضة السورية التي تتألف من جماعات وتيارات شديدة الاختلاف- بما في ذلك تنظيم القاعدة- أكثر راديكالية وتطرفاً بعد الإطاحة بمرسي. وبالنسبة إلى "حماس" التي تربطها علاقات قوية بجماعة "الإخوان المسلمين"، فإن الانقلاب يعني خسارة الدعم المصري، وهو ما يعني أيضاً أن إسرائيل واحدة من الدول الأكثر استفادة من الانقلاب. وظلت قطر، التي كانت الحامية الرئيسية لمرسي (بتزويده بخط ائتماني سخي) والتي هي ذاتها في خضم عملية انتقال سياسي الآن، بعيدة عن الاضطرابات في مصر. وأصبح الصدع بين الأنظمة الملكية في الخليج أكثر وضوحاً، مع مسارعة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تمويل حكومة ما بعد الانقلاب في مصر.

أما تركيا، التي كثيراً ما أعلنت نموذجها الديمقراطي الإسلامي هدفاً للدول الأخرى ذات الأغلبية الإسلامية التي تسعى إلى التغيير الديمقراطي، فقد خرجت خاسرة هي أيضاً نتيجة للانقلاب في مصر. لقد سعت السياسة الخارجية التركية إلى إنشاء نظام إقليمي، بمشاركة الأنظمة الإسلامية السُنّية الأخرى، بما يتفق مع مصالح البلاد. ومن الواضح أن مصر كانت الجزء الأكثر أهمية في هذه الاستراتيجية، وقد أثار عدم الاستقرار السياسي في مصر تساؤلات عِدة، ليس فقط حول النموذج السياسي التركي، بل أيضاً حول أمن مصالح تركيا الاقتصادية.

ويشكل مستقبل إيران مسألة أخرى ذات أهمية إقليمية عظيمة لا تزال بلا حل، وتظل معلقة إلى أن يتولى الرئيس الجديد حسن روحاني منصبه. ولم يكن من المشجع على الإطلاق ألا نرى أي بادرة جادة نحو إيران من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ فوز روحاني بالانتخابات في يونيو. باختصار، يبدو أن الشرق الأوسط يغوص إلى أعماق أبعد في مستنقع الاضطرابات، ونحن الآن أبعد ما نكون عن إيجاد حل في سورية ومصر وغيرهما من المصادر الرئيسة لعدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة. والواقع أن الإعراب عن الضيق والأسى كثير، ولكن التفكير الجدي قليل للغاية في ما يتصل بكيفية تعزيز أمن المنطقة ودعم اقتصادها ونموذجها الاجتماعي.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، كان ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمن، والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ووزير خارجية إسبانيا. ويشغل حالياً منصب رئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية، وهو زميل متميز لدى معهد بروكنجز.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top