تعتيم إعلامي وخلط للأوراق!
تعمل الآلة الإعلامية الضخمة لقوى الفساد وأباطرته ليل نهار ومن دون كلل أو ملل على تشويه الحراك الشعبي والشبابي المطالب بالإصلاح السياسي والديمقراطي، وذلك من أجل خلط الأوراق وإشغال الناس وإلهائهم، خصوصاً الشباب الوطني المخلص المهتم بالشأن العام، في قضايا جانبية وهامشية مختلقة؛ حتى لا يكون لديهم الوقت الكافي للتفكير في القضايا الرئيسة المشتركة، ولكي يصابوا بالإحباط واليأس وخيبة الأمل.وتزداد عملية خلط الأوراق في ظل التعتيم الإعلامي وغياب المهنية عن أغلبية وسائل الإعلام من جانب، وإغلاق المنابر الإعلامية التي تفسح المجال لوجهات النظر المعارضة ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي والملاحقة الأمنية للمغردين من جانب آخر.
وفي هذه الأجواء غير الصحية تحاول الأدوات الإعلامية الضخمة لقوى الفساد وأباطرته الإيحاء للناس بأنها وسائل إعلام "مهنية" تتمتع بالصدقية، وترحب بجميع الآراء رغم أنها عكس ذلك تماماً، فهي تحجب المعلومات ولا تظهر الصورة الكاملة للحدث، وتبرز الرأي على أنه خبر موثوق، كما تركز على تضخيم الاختلافات الفئوية والطائفية، وتنفخ فيها من أجل تأجيج الروح الفئوية والطائفية داخل المجاميع الشعبية والشبابية حتى يتم عزلهم عن محيطهم الوطني، فضلاً عن إبراز أي تصريح لأي عضو من أعضاء ما يسمى بـ"الأغلبية" بشرط أن يكون التصريح خارج السياق، ثم تنسبه زوراً وبهتاناً إلى مجمل الحراك الشعبي والشبابي المطالب بالإصلاح السياسي، أو أنها تصور الاختلافات في وجهات النظر داخل القوى الشبابية أو "جبهة المعارضة" وكأنها خلافات جوهرية بالرغم من أنها اختلافات تحصل داخل أي قوى ائتلافية في أي مكان في العالم. من ناحية أخرى، فإن قوى الفساد، ومن ضمنهم المتورطون بفضائح "الإيداعات" و"التحويلات المليونية"، وتجار الأغذية الفاسدة، و"حرامية" الديزل المُهرّب، و"الدراكيل"، والذين ينهبون المال العام بشتى الطرق، ويستبيحون أراضي الدولة وأملاكها العامة، ويحصلون على عقود المناقصات المليونية المشبوهة التي تشير إليها جميع تقارير ديوان المحاسبة من دون استثناء، ويأتي ذكرها في جميع صحائف استجوابات وزراء المالية. تسيطر هذه القوى الفاسدة بطريقة أو بأخرى على أغلبية وسائل الإعلام؛ كالصحف اليومية والقنوات الفضائية والخدمات الإخبارية الإلكترونية التي تلعب دوراً سيئاً للغاية في تضليل الرأي العام والتدليس على الناس، إذ تنشر المعلومات المضللة وغير الحقيقية ولا تسمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة.لهذا فإنها، على سبيل المثال، تُصّور ما يحصل بين أعضائها من صراعات "داخلية" تتعلق بحصة كل منهم من سرقات المال العام وكأنه "محاربة" للفساد من قبل طرف من أطرافها من أجل إيهام الناس بأنها هي ذاتها "ضحية" من ضحايا الفساد، لأنها "تدافع" عن الدستور و"تكافح" الفساد خصوصاً أن شعارات مثل "حماية الدستور" و"مكافحة الفساد" و"الدفاع عن الحريات" لا تزال شعارات غامضة وضبابية لدى عدد غير قليل من المواطنين، وذلك بسبب عدم دقة تعريف المصطلحات من جهة وتدني الوعي السياسي العام من جهة أخرى.