إقراض في الظلام

نشر في 30-04-2013
آخر تحديث 30-04-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن انتشار نظام الظل المصرفي المبهم غير الخاضع للتنظيم الدقيق (أو غير المنظم على الإطلاق) كان سبباً في إثارة المخاوف من عدم استقرار مالي محتمل، ولكن ما مدى انتشار -وخطورة- الظل المصرفي في الصين؟

وفقاً للجنة تنظيم العمل المصرفي في الصين، فإن حجم نظام الظل المصرفي (كل الائتمان غير خاضع للتنظيم بنفس المعايير التي تخضع لها القروض المصرفية التقليدية) ارتفع من 800 مليار يوان (130 مليار دولار أميركي) في عام 2008 إلى 7.6 تريليون يوان في عام 2012 (نحو 14.6% من الناتج المحلي الإجمالي). ويقدر إجمالي النشاط المصرفي خارج الموازنة العمومية في الصين- والذي يتألف من الاعتمادات للشركات العقارية (30% إلى 40%)، والكيانات الحكومية المحلية (20% إلى 30%)، والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والأفراد، ومقترضي القروض القصيرة الأجل- بنحو 17 تريليون يوان في عام 2012، أو نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي.

اكتسب مصطلح "الظل المصرفي" شهرته أثناء أزمة الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة في وصف الأصول غير المصرفية في سوق رأس المال، مثل صناديق سوق المال، والأوراق المالية المدعومة بالأصول، والمنتجات المشتقة القائمة على الاستدانة، والتي تمول عادة بواسطة البنوك الاستثمارية والجهات الاستثمارية المؤسسية الضخمة. وفي عام 2007، كان حجم معاملات الظل المصرفي في الولايات المتحدة يتجاوز حجم الأصول المصرفية التقليدية.

ووفقاً لتقديرات مجلس الاستقرار المالي فإن إجمالي أصول الظل المصرفي بلغت في عام 2011 نحو 67 تريليون دولار (التريليون = مليون مليون)، حيث تمثل الولايات المتحدة 23 تريليون دولار، ومنطقة اليورو 22 تريليونا، والمملكة المتحدة 9 تريليونات. أما مجموع الظل المصرفي الصيني فلا يتجاوز 2.2 تريليون دولار.

ويهيمن على الظل المصرفي في الصين عمليات الإقراض عالية المخاطر، مثل الإقراض للحكومات المحلية، وشركات التطوير العقاري، والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ويتم تمويله في نهاية المطاف من خلال ودائع التجزئة المصرفية، ومنتجات إدارة الثروة لدى البنوك، والأسهم الخاصة. وبالتالي فإن القضية الحقيقية في الصين ليست حجم ائتمان الظل، بل نوعيته، وقدرة النظام المصرفي على استيعاب الخسائر المحتملة.

لقد أسهمت قوى السوق والتضارب في السياسات في نشوء الظل المصرفي في الصين. ومع حرص بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) على الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة بشكل مصطنع، فقد بدأ مودعو التجزئة في اغتنام فرصة أسعار القائدة الأعلى التي تقدمها الحكومات المحلية، وشركات التطوير العقاري، والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي كانت في احتياج إلى التمويل للحفاظ على استثماراتها والتكيف مع بيئة السوق الجديدة.

ومنذ عام 2008، تضخم نظام الظل المصرفي إلى حد الانفجار، وكان ذلك راجعاً إلى عوامل مرتبطة بالسعر والقيود التنظيمية. ففي بيئة تهيمن عليها ضوابط كمية مباشرة، مثل حصص الإقراض المتزايدة الصرامة، فإن الظل المصرفي يعمل على تلبية الطلب الحقيقي في السوق، حيث توفر أسعار الفائدة التي يبدي المقترضون الاستعداد لدفعها أداة مفيدة لاستكشاف الأسعار. والصين تحتاج ببساطة إلى نظام أفضل لتقييم نوعية هذا النوع من الائتمان (وتزويد المودعين بالعائدات الكافية للتعويض عن التضخم).

ويتعين على صانعي السياسات في الصين أن ينظروا إلى ذعر الظل المصرفي باعتباره فرصة تحركها السوق لتحويل النظام المصرفي إلى محرك فعّال، ومتوازن، وشامل، ومنتج للنمو. وينبغي لهم أن يبدؤوا بإصلاح نظام حقوق الملكية لتمكين قوى السوق من إيجاد التوازن بين العرض والطلب للمدخرات والاستثمارات على النحو الذي يحافظ على الانضباط الائتماني والشفافية.

وهذا يتطلب في المقام الأول تحديد من يتحمل خطر العجز عن السداد الذي تفرضه منتجات إدارة الثروة المرتفعة العائد- المستثمر أم البنك. ولأن هذه مسألة قانونية تتعلق بتعريف العقد وإنفاذه، فإن الإجابة عليها لابد أن تكون في المحاكم أو هيئات التحكيم، وليس بواسطة الهيئات التنظيمية. والواقع أن توضيح المسؤولية النهائية عن جودة الائتمان والمخاطر من شأنه أيضاً أن يحد من تكاليف الوساطة من خلال القضاء على الحاجة إلى اللجوء إلى القنوات غير الرسمية، مثل ضمانات الائتمان وشركات الائتمان.

وعلاوة على ذلك فإن الحد من تعرض أدوات تمويل الحكومات المحلية أمر أساسي، فالصين تحتاج إلى بناء أسواق السندات البلدية من أجل توليد المزيد من التمويل المستدام لمشاريع البنية الأساسية. وآنئذ تستطيع الحكومات المحلية خصخصة الأصول الضخمة التي تراكمت لديها أثناء سنوات النمو السريع، واستخدام العائدات لسداد ديونها.

وينبغي لجهود الإصلاح أن تتمتع بالدعم من خلال التدابير الكفيلة بتحسين عملية إدارة المخاطر- مثل فرض متطلبات شفافية الميزانيات العمومية بصرامة. الواقع أن المخاطر المرتبطة بنظام الظل المصرفي القائم يمكن إدارتها، وذلك نظراً لنمو الناتج المحلي الإجمالي القوي وأسس الاقتصاد الكلي القوية. ففي نهاية عام 2012، كانت البنوك التجارية في الصين تحتفظ بنحو 6.4 تريليونات يوان في هيئة رأسمال أساسي، ونحو 1.5 تريليون يوان في هيئة احتياطيات لتغطية القروض المتعثرة، لكي يبلغ مجموع الحماية من المخاطر نحو 8 تريليونات يوان.

وتشكل سندات الحكومة المركزية المنخفضة المخاطر ومتطلبات الاحتياطي لدى البنك المركزي- والتي يتم دعم أغلبها باحتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي- نحو 31 تريليون يوان من أصل 95 تريليون يوان من إجمالي أصول البنوك التجارية. وهناك 8 تريليونات يوان أخرى في قروض الرهن العقاري السكنية، والتي تحمل أيضاً مخاطر ضئيلة، نظراً لانخفاض نسب القرض إلى القيمة. ويشكل التعرض لالتزامات الدين السيادي المحلي- من قِبَل الشركات المملوكة للدولة والحكومات المحلية- نحو 32 تريليون يوان، وتبلغ التزامات الشركات الخاصة نحو 24 تريليون يوان.

ويوحي هذا التفصيل بأن احتياطي الوقاية الذي يتألف من 8 تريلونات يوان سوف يكون كافياً للتعويض عن الخسائر المحتملة الناشئة عن الائتمان الأعلى خطراً في قطاع العمل المصرفي التجاري في الصين. كما توفر هوامش أسعار الفائدة الأعلى التي يحددها بنك الشعب الصيني دعماً إضافيا.

ولكن إذا تراكم المزيد من المخاطر بسبب التوسع في ائتمان الظل، فإن احتياطي المخاطر هذا قد يصبح غير كاف. وبالتالي فيتعين على صانعي السياسات في الصين أن يركزوا على تقييد نمو قطاع الظل المصرفي، في حين يعملون على ضمان توضيح كل المخاطر الحالية ومخاطر المستقبل الناجمة عن هذا النظام. ويشكل تقديم التدابير الكفيلة بتهدئة سوق العقارات، وفرض ضوابط تنظيمية مباشرة جديدة على ائتمان الظل المصرفي، خطوة في الاتجاه الصحيح.

ولعل التحدي الأكبر الذي يواجه الصين الآن يتلخص في رفع العوائد الحقيقية على الخصوم المالية (التزامات الدين المتمثلة بالودائع وإدارة الثروة) وتشجيع الإقراض الأكثر توازنا. وسوف تساعد زيادة تكاليف الاستثمار في الأصول الحقيقية في كبح جماح أسعار العقارات والحد من القدرة المفرطة في قطاعي البنية الأساسية والتصنيع.

في نهاية المطاف، سوف تتطلب معالجة الظل المصرفي في الصين إيجاد الآليات القادرة على تحديد وتخصيص المخاطر المالية بوضوح والفصل في المخاطر المالية بين اللاعبين الأساسيين. ويتضمن هذا ضمان إخضاع المقترضين للمساءلة وفرض الشفافية الكاملة عليهم في التعامل مع التزاماتهم؛ وتقليص الديون البلدية من خلال بيع الأصول والتمويل بقدر أعظم من الشفافية؛ وتحويل عبء حل المنازعات حول حقوق الملكية من الجهات التنظيمية إلى هيئات التحكيم، وفي نهاية المطاف إلى النظام القضائي. ومثل هذه الإصلاحات المؤسسية تقطع شوطاً طويلاً نحو القضاء على خطر العجز عن السداد (أو عمليات الإنقاذ) وخلق نظام مالي قائم على السوق من الحوافز المتوازنة الكفيلة بدعم النمو وتشجيع الإبداع.

أندرو شنغ & شياو غنغ

* أندرو شنغ رئيس معهد فونغ العالمي، والرئيس الأسبق للجنة الأوراق المالية والعقود الآجلة في هونغ كونغ، وأستاذ مساعد في جامعة تسينغهوا في بكين حاليا. شياو جنغ مدير البحوث في معهد فونغ العالمي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top