تجاوزت الحكومة الأسبوع الماضي اختبارها الأول بنجاح في مواجهة حزمة الاستجوابات بجلسة علنية واحدة، ولعل الأهم من نجاح المواجهة هو معرفة خريطة النواب ومواقفهم من رئيس الوزراء والوزراء على حد سواء، على الأقل خلال الفترة القادمة، وكذلك معرفة طبيعة العلاقات النيابية – النيابية، ومن يدعم أو يساند من.
جلسة الاستجوابات الماراثونية – كما بدت - حملت جملة رسائل ما بين الحكومة والنواب، وما بين النواب أنفسهم، فمحاور الاستجوابات ومرافعات المستجوبين لم تكن غاية بقدر ما كانت وسيلة لبيان المواقف مبكراً من الوزراء بعد أن فشلت الضغوط النيابية على الحكومة في إجراء تعديل وزاري مبكر.ولعل الحرج الذي وقع فيه مستجوبا رئيس الوزراء، النائبان رياض العدساني وصفاء الهاشم بتخلي جميع النواب – بمن فيهم أقرب النواب لهم ومن وعدهم - عن دعم استجوابيهما حديثاً وتوقيعاً على كتاب عدم التعاون، وكذلك مواقف النواب المتحدثين المعارضين لاستجوابيهما، أهم مشاهد ورسائل جلسة الاستجوابات، فكانت النهاية بمنزلة عملية تصويت على تجديد الثقة بالمبارك بأغلبية ساحقة.وإذا كان هناك من رأى في موقف النواب من استجواب المبارك دلالة على أن المجلس في "جيب الحكومة"، أو كما يقال مجلس موالاة يسيطر عليه رئيس الوزراء، فإنه في المقابل قرأ فريق آخر الأحداث بصورة مغايرة تماماً. فالنائبان العدساني والهاشم دخلا في صراع مبكر مع رئيس الوزراء وصل إلى حد مطالبته بالاستقالة والرحيل، وهو ما أثار الشبهات حول حقيقة الاستجوابين "المبكرين جدا": هل هما للإصلاح أم لإسقاط الحكومة وحل البرلمان؟ فكان قرار النواب الأكثرية ألا يكونوا جزءاً من هذه الأجندة، في حين قررت أقلية من النواب عدم كشف أوراقها مبكراً ضد الرئيس.وإذا كان ما كسبه المبارك في جلسة استجوابه سيقوي موقفه داخل الأسرة في صراع أبناء عمومته ضده، ويعزز موقعه داخل البرلمان أمام الساعين إلى إسقاطه، فإن هذه المكاسب ستبقى مؤقتة ما لم يستثمرها سموه مبكراً بتحقيق بعض الإصلاحات الفورية والإنجازات العاجلة على أرض الواقع حتى يحافظ عليها.أما أحداث استجوابي وزيرة الدولة لشؤون التنمية والتخطيط د. رولا دشتي فكانت نقيض ما حدث في مساءلة المبارك في نهايتها، إذ رغم إجادتها الرد على محاور استجواب النائب خليل عبدالله فإنها خرجت منه بطلب طرح ثقة، ورغم المستندات التي فندت بها محور استجواب الهاشم فقد كان ينتظرها طلب طرح ثقة آخر لولا سحب النائبة د. معصومة المبارك توقيعها منه.ولا شك أن ما حدث كان رسالة واضحة للوزيرة رولا – بغض النظر عما قدمته في الجلسة - بأن وجودها في الحكومة لم يعد مرغوباً فيه نيابياً، ولم يبق أمامها إلا خياران: الاستقالة أو المخاطرة بدخول جلسة طرح الثقة في 24 ديسمبر المقبل، وإن بدا الخيار الأول الأقرب حالياً.وفي المقابل، كان استجواب وزير الإسكان سالم الأذينة، القصير وقتاً والشائك موضوعاً حول الأزمة الإسكانية، أشبه بجلسة خاصة مبكرة استعرض فيها الوزير الخطوات التي تنوي الحكومة اتخاذها لحل الأزمة، واكتفى النواب بالمناقشة دون تقديم طلب طرح ثقة.وهنا، يوقن معظم النواب أن ما طرحه النائب المستجوب العدساني من أرقام ليس بأسرار تخفى على النواب والعامة، وأن الأزمة الإسكانية لا تحل باستجواب "مبكر" بل بتشريع قوانين، وتذليل عقبات لبناء المزيد من الوحدات والمدن الإسكانية، خاصة أن الأزمة ليست وليدة اليوم بل نتجت عن تراكم إخفاقات حكومية ونيابية سابقة.الحكومة من جهتها، وعبر مواجهتها الاستجوابات، أوصلت رسالة إلى النواب مفادها أن تكثيف الاستجوابات لا يعني بالضرورة استقالتها كما كان يحدث سابقاً، حتى لو كان المستجوَب رأس هرم السلطة التنفيذية، وهي رسالة تحمل مغزى آخر مرتبطاً بصراع الأسرة.نهج المواجهة الذي بدأت تسير عليه الحكومات الأخيرة حافظ على استقرارها كسلطة تنفيذية، حتى لو لم - ولن - يوقف سلسلة الاستجوابات، فمنذ نهاية عام 2011 لم تستقل أي حكومة لجابر المبارك بسبب المساءلات كما جرت العادة سابقاً، وإنما استقال وزراء بصورة منفردة، والمواجهة لا تعني تجاهل إصلاحات سفينة الحكومة من الداخل عبر التعديل الوزاري - وهو متوقع بعد حكم المحكمة الدستورية في 23 الجاري - وأن يكون البدلاء من الوزراء ذوي كفاءة فنية وسياسية.وبعد أن تجاوزت السلطتان اختبارهما الرقابي الأول، يبقى القول إن الاختبار الحقيقي ليس بعدد الاستجوابات ولا بعدد حالات طرح الثقة بالوزراء، ولا بعدد الاستجوابات التي تتجاوزها الحكومة، بل إن الاختبار الحقيقي للسلطتين يكمن في التشريع، وتنفيذ جدول الأولويات الذي أقرتاه معاً.
آخر الأخبار
تحليل سياسي: جلسة الاستجوابات تعيد ترتيب أوراق السلطتين
30-11-2013