لا مبرر للهلع من هزة الأسواق الناشئة... فهذه ليست «أزمة آسيوية جديدة»

نشر في 01-02-2014
آخر تحديث 01-02-2014 | 00:04
No Image Caption
يوجد قلق متزايد في أوساط المستثمرين من أن أي شيء يمكن أن يحدث في الأسواق الناشئة قد يصبح أكثر سوءاً، وأنهم إذا لم يتصرفوا بسرعة كافية قد يشهدون نهاية أموالهم.
أعادت حالة الغليان المالي التي ضربت مؤخراً الأسواق الناشئة ذكريات الأزمة المالية الآسيوية في سنة 1997. وقد أفضى الحديث عن عدوى وانصهارات اقتصادية وتخلف الصين عن السداد الى حالة هلع في سوق وول ستريت الشديد العصبية أساساً، ودفع العديد من المستثمرين الى التخلص من موجوداتهم في الأسواق الناشئة والبحث عن ملاذ آمن، مما فاقم من سوء الوضع.

ولكن هذا ليس تكراراً لأزمة سنة 1997 وأي أزمة قد تعتمل اليوم سوف تكون مختلفة تماماً عما حدث حينذاك. فلدى دول الأسواق الناشئة اليوم درجة أكبر من السياسات النقدية المعقدة وكمية أكبر من احتياطي رأس المال لتمكينها من الدفاع بشكل أفضل عن عملاتها في وجه هجمات المضاربة. وفيما قد تتعرض بعض الدول، مثل الأرجنتين، الى الغرق فإن الأكثرية الساحقة سوف تتمكن من العوم.

كان شهر يناير قاسياً بالنسبة الى الأسواق الأميركية مع هبوط مؤشر ستاندردز آند بوورز 500 بحوالي 3.6 في المئة حتى الآن في السنة الحالية. ولكنها كانت سنة صعبة بصورة خاصة بالنسبة الى الأسواق الناشئة، مع هبوط مؤشر الأسواق الناشئة ام اس سي آي بنسبة 7.1 في المئة خلال الفترة ذاتها. وهكذا يوجد قلق متزايد في أوساط المستثمرين من أن أي شيء يمكن أن يحدث في الأسواق الناشئة قد يصبح أكثر سوءاً وأنهم اذا لم يتصرفوا بسرعة كافية قد يشهدون نهاية أموالهم.

هبوط مثير للقلق

وفيما يهرع البعض من المستثمرين للبحث عن مخرج للهرب من تلك الأسواق، يبدو أن الأكثرية الساحقة ثابتة في موقفها. صحيح أن الهبوط في مؤشر الأسواق الناشئة "ام اس سي آي" يدعو للقلق، ولكن العديد من الناس كانوا يتوقعون ذلك في ضوء تحول النموذج الحالي في الاقتصاد الدولي. وتعيش أوروبا اليوم (عن خطأ أو صواب) مزاجاً من التعافي التام فيما تنمو الولايات المتحدة بوتيرة هي الأسرع في سنوات. وقد دفع ذلك المستثمرين الى نقل أموالهم من الأسواق الناشئة وإعادتها الى الأسواق المتقدمة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه مع تخفيف مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي لمشترياته من سندات السوق المفتوحة ما يدفع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة الى الارتفاع مع مرور الوقت.

وفي خضم هذا التدفق العادي من اعادة توازن للرسملة تعرضت قلة من الدول الناشئة الى هبوط حاد غير عادي في قيمة أسواقها وعملاتها أو كليهما معاً. ومن بين الدول الأكثر تأثراً كانت الأرجنتين والصين وتركيا وأوكرانيا وجنوب افريقيا. والسؤال هو ما الشيء المشترك لدى كل هذه الدول؟ لا شيء الى حد كبير ماعدا كونها تعتبر كلها من الأسواق الناشئة. وفي ضوء هذا التشتت العشوائي للأمراض الاقتصادية في شتى أنحاء المعمورة يشعر البعض من المستثمرين بقلق من أننا أصبحنا في وسط عدوى اقتصادية كاملة سوف تبتلي كل الأسواق الناشئة في مراحل عشوائية.

عملة تايلند

من المفهوم أن البعض يقارن ما يجري اليوم بما حدث ابان الأزمة المالية الآسيوية في سنة 1997 عندما تسبب الخفض القسري للعملة التايلندية في حدوث شلال من الإخفاقات شملت شتى أنحاء آسيا. وقد تم في نهاية المطاف حل الأزمة من خلال تغييرات رئيسية في السياسات النقدية في الدول المتضررة وعمليات ضخ أموال واسعة للرسملة (انقاذ) من جانب صندوق النقد الدولي. وسوف يحدث جدال حول الطريقة الأفضل لحل تلك الأزمة "تقشف قسري من جانب صندوق النقد الدولي كشرط لتقديم الأموال والذي انتقد على نطاق واسع" وقد استقرت الأوضاع من دون احداث ضرر دائم في تلك المنطقة أو في الأسواق المتقدمة.

ولكن يوجد عدد من الفوارق الرئيسية بين الأزمة الاقتصادية الآسيوية وبين الضربة الشديدة التي تعرضت لها الأسواق الناشئة اليوم. في سنة 1997 كان ثمة قدر قليل من الرقابة على عمليات نقل أموال المضاربة من الاقتصاد والى خارجه. وكانت دول جنوب شرق آسيا تظن أنها سوف تكون المفضلة في المشهد الاقتصادي لسنوات وسمحت للأموال بالتدفق من دون توقف من الغرب والشرق الأوسط. وقد أفضى ذلك الى مضاربات واسعة شملت فقاعة عقارات ذات مستويات هائلة. ويعتبر برجا بتروناس اللذين أصبحا في 1998 أول وثاني أعلى أبنية في العالم مثل نصب لتلك المضاربة.

الأرجنتين

ثمة قدر ضئيل من العلاقة بين أزمة اليوم والأموال المهربة المتدفقة الى خارج دول الأسواق الناشئة. وفي حقيقة الأمر فإن الأرجنتين عانت ندرة في الاستثمارات الأجنبية منذ تخلفها عن سداد ديونها الدولية في سنة 2002. وقد عززت مصادرة الحكومة لشركة الطاقة "واي بي اف" التي كانت مملوكة للدولة سابقاً، من رسبول الاسبانية في سنة 2011، الفكرة القائلة إن الأرجنتين ليست المكان الأكثر أماناً للاستثمار. وفي أوكرانيا وجنوب افريقيا توجد ندرة في الاستثمارات الأجنبية كما لا توجد في اسطنبول أي ناطحات سحاب ضخمة. وبالنسبة الى الصين وفيما توجد بالتأكيد فقاعة مضاربة عقارية في البعض من الأقاليم فإن الأموال والتمويل يأتي الى حد كبير من مصادر محلية وليس خارجية. واضافة الى ذلك منعت الرقابة المشددة على الرسملة نقل الأموال الى خارج البلاد.

خلال الأزمة المالية الآسيوية انهار ربط العملات غير المستدام وتم ربط عملتي تايلند وماليزيا بالدولار عند معدل صرف محدد. وقد أفضى هذا الاستقرار المصطنع لذلك الربط في العملتين الى تعزيز طفرات مضاربة. ولكن عندما بدأت الولايات المتحدة برفع معدلات الفائدة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي بدأ الربط بالتأثير سلباً على الاقتصادات الآسيوية المدفوعة بالصادرات. ومع هبوط صادراتها هبط أيضاً احتياطيها من الدولار وترك اقتصادها عرضة للمضاربين. وقد أرغمت تايلند في نهاية المطاف على التخلي عن ربط عملتها بالدولار وخفضها في اجراء أفضى الى طائفة من المشاكل وخاصة بالنسبة الى الشركات التايلندية التي اقترضت المال بالعملات الأجنبية.

الربط بالدولار

وتحافظ قلة من دول الأسواق الناشئة اليوم على ربط عملتها بالدولار ولذلك فهي في وضع أفضل لمواجهة التغيرات في البيئة النقدية، وتشكل الصين الاستثناء الكبير مع ربط اليوان بـ6.8 الى الدولار. ولكن الصين تملك أضخم رصيد من احتياطي العملة الأجنبية في العالم، حوالي 3.7 تريليونات دولار، ما يسمح لها بمواجهة أي هجوم على عملتها.

ومثل الصين تعلمت معظم دول الأسواق الناشئة من أزمة سنة 1997 واحتفظت باحتياطيات ضخمة لتفادي هجمات المضاربة على عملاتها. الاستثناء البارز لهذا المسار هي الأرجنتين التي انخفض احتياطيها من العملة الأجنبية الى النصف في السنة الماضية نتيجة ندرة الاستثمارات الأجنبية مع ارتفاع مصطنع في أسعار كل شيء من الأغذية الى الطاقة. ومع بقاء 30 مليار دولار فقط لديها اضطرت البلاد الى خفض البيزو بنسبة 15 في المئة في الأسبوع الماضي، ولكن مع وجود قلة من الاستثمارات الأجنبية في الأرجنتين في الوقت الراهن فإن من غير المحتمل أن يكون لذلك أي تأثير رئيسي على الاقتصاد الدولي.

ومن المؤكد أن تشعر البرازيل وهي أكبر شريك تجاري للأرجنتين بتأثير سلبي نتيجة اضطرار الأرجنتينيين الى الحد من استهلاكهم من البضائع الأجنبية، ولكن ذلك لن يكون مؤلماً جداً بالنسبة الى البرازيل بسبب تنوع اقتصادها.

لكننا مازلنا نواجه مشكلة رئيسية، وتبدو أنها بقدر أكبر أزمة ثقة وليست أزمة أساسيات سوق. قد يكون هناك بالتأكيد فقاعة عقارية في الصين، ومن الواضح أن تدخل الدولة لدعم المنتجات المالية الضعيفة، مثل الأسهم، قضية، ولكن يبدو في الوقت الراهن أن الصين تسيطر على الوضع. كما أن عملتها محمية، وأرقام صادراتها المتراجعة يجب أن تستعيد قوتها في هذه السنة مع تعافي أوروبا من الركود.

وفي غضون ذلك، يتعين على اقتصاد الأرجنتين أن يعاود انطلاقه، وتعتبر القلاقل السياسية في أوكرانيا وتركيا شراً ضرورياً من أجل ضمان التغير الديمقراطي الملائم. ولكن الدول الاخرى في الأسواق الناشئة، مثل الهند، لا تعاني من أي من تلك القضايا وهي معدة للنمو بقوة في هذه السنة.

* (مجلة فورتشن)

back to top