علي خامنئي تلاعب بدستور الخميني والقوانين لتعزيز «ستاد»

نشر في 14-11-2013 | 00:02
آخر تحديث 14-11-2013 | 00:02
No Image Caption
المرشد حصن المؤسسات التابعة له من المحاسبة
في الحلقتين السابقتين من تقرير «رويترز» عن هيئة ستاد التابعة لمرشد الثورة الإيرانية الأعلى علي خامنئي، تحدث معدو التقرير عن الهيئة التي أنشئت بناءً على أمر من زعيم الثورة الإيرانية روح الله الخميني، وكان من المفترض أن يستمر عملها سنتين، لكنها تحولت بدلاً من ذلك إلى إمبراطورية اقتصادية عملاقة تتبع خليفة الخميني علي خامنئي، وفي هذه الحلقة الأخيرة يركز معدو التقرير على كيفية تدخل خامنئي تارة عبر البرلمان وطوراً عبر القضاء والحكومات لتعزيز وضع ستاد من خلال التلاعب بالقوانين ودستور الجمهورية الإسلامية.  

خلص تقرير «رويترز» إلى إنه لكي يتسنى لـ«ستاد» تملك الأصول، فقد أضفت الحكومات بطريقة ممنهجة تحت إشراف المرشد الأعلى علي خامنئي الشرعية القانونية على المصادرة، ومنحت الهيئة السيطرة على جانب كبير من الثروة المستولى عليها. وأصدر الزعيم الأعلى والقضاء والبرلمان على مدى السنين سلسلة مراسيم بيروقراطية وتفسيرات دستورية وقرارات قضائية تعزز وضع ستاد. 

ويقول محامون إيرانيون خاضوا معارك قانونية مع «ستاد»، إن الحكومات المتعاقبة في عهد خامنئي استغلت القانون بتوسعها في الاستيلاء على ممتلكات المواطنين.

وقد صارت «ستاد» سنداً أساسياً لخامنئي، فهي توفر له مصدراً مستقلاً للدخل لتمويل حكمه برغم ما يعانيه اقتصاد البلاد من ضيق شديد تحت وطأة العقوبات الغربية على مدى سنوات. 

 

خامنئي والثورة 

 

ينحدر الزعيم الأعلى الذي يبلغ الآن من العمر 74 عاما من خلفية متواضعة. في أوائل الستينيات درس خامنئي على يد الخميني في قم، وبدأ يحرض على نظام الشاه الموالي للغرب. وفي عام 1963 عرف ظلمات السجن لأول مرة بسبب أنشطته السياسية. وفي وقت لاحق من ذلك العام سجن عشرة أيام في مسقط رأسه مشهد وتعرض للتعذيب. 

 وبعد أشهر من تولي السلطة في 1979 مرر الخميني دستورا جديدا يعتمد مفهوم ولاية الفقيه ويتلخص في جمهورية يحكمها أكثر الفقهاء تفقها في الشريعة. وفي الدستور مادتان كان لهما دور محوري بالنسبة إلى «ستاد»: المادة 45 تتعلق بالملكية العامة وتمنح الحكومة حق استعمال الأرض التي تركها مالكوها والعقارات غير المحددة الملكية، والمادة 49 التي تسمح بمصادرة الثروة المكتسبة من خلال الأنشطة الإجرامية، وهي تكفل ضمانات واسعة للحماية من المصادرة التعسفية، لكن هذه الضمانات نادرا ما كانت تنفذ في الواقع.

 

الفوضى

 

وأضحى نزع ملكية الثروات الواسع النطاق سمة للجمهورية الإسلامية في سنواتها الأولى. وكانت تلك سنوات تعمها الفوضى، فقد غزا العراق إيران في عام 1980، وأعقبت ذلك حرب خنادق وحشية استمرت سنوات. وشهدت البلاد نقصاً في الغذاء. وتعرض النظام الجديد لتهديدات داخلية ونفذ حوادث قتل انتقامية وهو يوطد أركان سلطته. 

 

«البونيادات» 

 

وبدأت الدولة الجديدة تستولي على الأصول الخاصة بالعائلة الملكية المخلوعة وغيرها ممن تعتبرهم أعداء. وكانت «البونيادات» أو المؤسسات من بين أول المستفيدين من هذا الانتقال للثروة. ومن بين أكبرها «بونياد مستضعفان» (مؤسسة المستضعفين) التي استولت على كثير من ممتلكات العائلة الملكية، ولاتزال حتى اليوم من المؤسسات العاملة في البلاد.

خامنئي رئيساً 

 

وبدأ بعض الثوريين ينقلب على بعض، ففي 1981 ساهم خامنئي في قيادة جهد ناجح لعزل أبوالحسن بني صدر الذي أصبح في عام 1980 أول رئيس منتخب للجمهورية. ثم اغتيل خليفة بني صدر في الرئاسة على أيدي الجماعة نفسها. وفي أكتوبر 1981 انتخب خامنئي ثالث رئيس للجمهورية بأغلبية ساحقة.

 

محاكم المادة 49 

 

في عام 1982 حين كانت الفصائل والمؤسسات تتنازع على العقارات، حاول الخميني السيطرة على الفوضى فأصدر مرسوما يحظر المصادرة دون أمر من قاض. وبعد ذلك بعامين أي في عام 1984 أنشأ البرلمان محاكم خاصة لمصادرة الممتلكات، وأصبح لكل محافظة من محافظات إيران محكمة من تلك المحاكم التي أطلق عليها «محاكم المادة 49». وكانت تلك المحاكم فرعا من المحاكم الثورية التي أنشئت لتطبيق العدالة على من يعتقد أنهم أعداء الجمهورية. ومازالت محاكم المادة 49 تعمل إلى اليوم لكنها لم تضع حدا لتنافس الهيئات على المصادرة. 

 

مولد «ستاد» 

 

وانتهت الحرب مع العراق في 1988 مخلفة مئات الآلاف من القتلى من الجنود والمدنيين الإيرانيين. وكان معنى ذلك مزيدا من الأفواه التي ينبغي إطعامها.

وفي إبريل  1989 وقبل وفاته بشهور أصدر الخميني مرسومه المقتضب الذي مثل إعلان مولد «ستاد» واسمها الكامل باللغة الفارسية «ستاد إجرايي فرمان حضرت إمام» أي (هيئة تنفيذ أوامر الإمام).

ووجه الخميني اثنين من كبار المسؤولين إلى تولي كل أعمال «بيع وخدمة وإدارة» العقارات «المجهولة الملكية والتي لا مالك لها» على أن يصرف العائد على القضايا الشرعية و»بقدر الإمكان» على مساعدة سبع بونيادات ومؤسسات خيرية حددها بالاسم. وكان ينبغي استخدام المال في دعم «أسر الشهداء والمحاربين القدماء والمفقودين والأسرى والمستضعفين».

 

خامنئي خليفة للخميني 

 

وبعد وفاة الخميني في يونيو 1989 اختار مجلس الخبراء خامنئي خليفة له بعد أن عدل الدستور للالتفاف على احتجاج كبار رجال الدين الذين اعتبروا خامنئي غير مؤهل للمنصب. وكان من بين أول ما قام به المرشد الأعلى الجديد تكليف رجل دين بمتابعة إنشاء «ستاد». 

 

الحرس الثوري 

 

وسرعان ما شرع الزعيم الأعلى الجديد في رعاية وتشجيع الحرس الثوري الإسلامي، وهو قوة عسكرية خاصة خرجت من الحرب مع العراق واحدة من أقوى المؤسسات في إيران. وبدأ يضمن نيل تأييد الحرس بمساعدته على تلقي عقود مربحة في مجال إعادة الإعمار.

ومكنت هذه الفرصة سلاح المهندسين في الحرس الثوري في نهاية الأمر من أن يتحول إلى مؤسسة عملاقة متعددة الأنشطة. ومع الوقت أصبح الحرس الثوري دعامة أساسية لسلطة خامنئي، وكذلك أصبحت «ستاد».

وتفيد وثائق اطلعت عليها «رويترز» بأنه بحلول التسعينيات كانت المحاكم تصادر الأصول وتسلمها إلى «ستاد». وبدأت الهيئة تحتفظ بأموال من بيع العقارات بدلا من إعادة توزيع كل العوائد، وليس واضحا متى بدأت «ستاد» تحتفظ بالأموال ولا نسبة العوائد التي تحتفظ بها.

 

حصرية المصادرة 

 

في عام 1997 انتخب الإصلاحي محمد خاتمي رئيسا. وسارع القضاء الإيراني إلى حماية «ستاد» من التدقيق. وفي ذلك العام أعلنت لجنة قانونية حكومية أنه ليس من حق المكتب التفتيش في عمل «ستاد» ما لم يطلب منه الزعيم الأعلى ذلك.

وكانت «ستاد» لايزال لها منافِسات على الأصول المصادرة، ومنها مؤسسة تدعى «سازمان جمع أوري وفروش أموال تمليكي» أو إدارة جمع العقارات المتملكة وبيعها وهي تتبع وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية. وفي عام 2000 اعتمدت السلطة القضائية لائحة تنفيذية تمنح «ستاد» السلطة الحصرية على الممتلكات المصادرة باسم الزعيم الأعلى.

 

حكم سريع

 

وبدأت «ستاد» توسع نشاطها بدخول مجال الاستثمار في الشركات مستغلة مبادرة قانونية أخرى لخامنئي. ففي عام 2004 أمر خامنئي بمراجعة المادة 44 من الدستور التي تكفل ملكية الدولة للصناعات الحساسة. وأصدر مجلس تشخيص مصلحة النظام وهو هيئة استشارية من هيئات الدولة يعينها الزعيم الأعلى تفسيرا جديدا للمادة 44 يسمح بخصخصة صناعات كبرى.

وفي 2006 ومع تضخم عجز الموازنة العامة في ظل الرئيس الجديد المتشدد محمود أحمدي نجاد، أصدر خامنئي أمرا تنفيذياً بخصخصة 80 في المئة من أسهم بعض الشركات المملوكة للدولة. وكان من بين المؤسسات المستهدفة بنوك وشركات للتأمين وشركات للنفط والغاز. وخرجت «ستاد» في 2009 منتصرة في أكبر عملية بيع لأصول مملوكة للدولة في إيران، وهي عملية خصخصة شركة الاتصالات الإيرانية.

 

خارج اختصاص البرلمان 

 

وكانت «ستاد» قد بدأت قبل ذلك الوقت تجذب انتباه الجناح الإصلاحي في إيران. وخلال الفترة الثانية لرئاسة خاتمي سعى الأعضاء المعتدلون في البرلمان إلى تقصي وضع «ستاد»، لكن مجلس صيانة الدستور وهو هيئة تضم رجال دين وقانونيين محافظين يعينهم خامنئي بشكل مباشر أو غير مباشر أصدر إعلانا بأن «ستاد» خارج نطاق اختصاص البرلمان.

وجاءت انتخابات 2008 ببرلمان كانت أغلبية كبيرة من أعضائه محافظين شديدي الولاء لخامنئي. وفي واحدة من أولى خطوات البرلمان الجديد عدل المجلس لائحته الداخلية ليحد من سلطته في التدقيق في شؤون المؤسسات الواقعة تحت إشراف خامنئي إلا بإذن منه.

الثورة الخضراء 

 

واحتج مئات الآلاف من الإيرانيين في 2009 على انتخاب الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد لفترة جديدة في ما سمي بالحركة الخضراء، وفي خضم الاضطرابات عارض أحد الرجلين اللذين أسسا «ستاد» الهيئة علناً.

وكان ذلك الرجل هو مهدي كروبي الذي برز كواحد من الساسة الإصلاحيين الرئيسيين فتولى رئاسة البرلمان وخاض انتخابات الرئاسة في 2005 و2009 ولم ينجح في المرتين. وبعد انتخابات 2009 كتب خطاباً أكد فيه أن الخميني كان يقصد لـ«ستاد» أن تستمر سنتين فقط. ومضى كروبي متهما «ستاد» والحرس الثوري القاعدة الأخرى الرئيسية لسلطة خامنئي بالفساد، وهو الآن قيد الإقامة الجبرية.

 

روحاني 

 

وفي يونيو، هنأ الزعيم الأعلى خامنئي الرئيس الجديد حسن روحاني بانتخابه. وفي الشهر نفسه أصدر رئيس السلطة القضائية الذي عينه خامنئي إعلان دعم جديد لـ»ستاد». 

وذكرت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء أن القاضي صادق لاريجاني أبلغ المحاكم الأدنى أن منافِسة «ستاد» القديمة «إدارة جمع العقارات المتملكة وبيعها» ليس لها سلطة مصادرة عقارات باسم الزعيم الأعلى، وأعاد القاضي تذكير المحاكم بأن «ستاد هي الهيئة الوحيدة المكلفة مسألة العقارات ذات الصلة بالزعيم الأعلى».

back to top