اندفاع ما بعد «ليمان براذرز» يواجه اختباراً كبيراً

نشر في 21-11-2013 | 00:03
آخر تحديث 21-11-2013 | 00:03
No Image Caption
التسهيل الكمي وفَّر متنفساً لأميركا
لننظر إلى الأسواق. مرة أخرى يعطينا التاريخ عارضة واضحة تقوم عليها الأحداث. سنقارن استجابات السوق بعد الانهيار العظيم ـ الذي جاء في أعقاب الذروة في  سبتمبر 1929 ـ بانهيار البورصة اليابانية ليلة رأس السنة عام 1989، وانفجار فقاعة ناسداك عام 2000.

الأمر مختلف هذه المرة. مضى الآن أكثر من خمس سنوات منذ أن دخل ليمان براذرز كتب التاريخ، بعدما أشعل انهياره أكبر أزمة مالية منذ ثمانية عقود على الأقل. وقد أتاح لنا التاريخ المالي نظرة متعمقة ممتازة لما يمكن أن يحدث بعد الانهيار، وهي نظرة اعتمدْتُ عليها – مع الأسف. وهناك حكم فوري أصدرْتُه في ذلك الحين وتبين على الفور تقريباً أنه كان في غير محله.

القرار الذي اتخذه هانك بولسون، وزير المالية الأميركي في ذلك الحين، بالسماح بانهيار ليمان كان محاولة لسحق «الخطر الأخلاقي» – وهو ميل الناس إلى اتخاذ مزيد من المخاطر حين يعلمون أنهم مؤَمَّنون. وبعد عدة عمليات إنقاذ لمؤسسات مالية معتلة أخرى على مدى العقد الذي سبق الانهيار، كان يبدو أن المتداولين والتنفيذيين يعتقدون أنه ستكون هناك دائماً عملية إنقاذ تقوم بها الحكومة إذا احتاجوا إليها. وظن بولسون أن من الضروري أن يبرهن على أن الانهيار ممكن الحدوث. فهذا ما حدث عقب فقاعات سابقة – على مدى عقد أو عقدين تمت معالجة الخطر الأخلاقي، حين كانت الأسواق تهبط، ويخسر الناس وظائفهم، ويتعلم جيل جديد أن الفشل ممكن.

وعلى ذلك فقد أعلنتُ أن انهيار ليمان كان إيذاناً ‹›بنهاية عقد من الخطر الأخلاقي››. وفي اليوم التالي أعلنت الحكومة صفقة إنقاذ بقيمة 85 مليار دولار للمجموعة الدولية الأميركية للتأمين AIG.

الخطر الأخلاقي

لقد أراد بولسون أن يضع حداً للخطر الأخلاقي، لكن التشنج شبه التام الذي أصاب النظام المالي العالمي في أعقاب انهيار ليمان كان له أثر عكسي. فقد برهن للسوق – وللحكومة – أن من غير الممكن أن يُسمح بانهيار مؤسسة بهذا الحجم. وكانت النتيجة أن الخطر الأخلاقي، بدلاً من أن يتناقص ازداد منذ ذلك الحين. وقاوم المصرفيون المحاولات الرامية إلى إعادة تنظيمهم وأصبحت المؤسسات الكبيرة حتى أكبر من ذي قبل. ولو تم اتخاذ إجراءات حاسمة لكان العالم اليوم أكثر أمناً.

ثم لننظر إلى الأسواق. مرة أخرى يعطينا التاريخ عارضة واضحة تقوم عليها الأحداث. سنقارن استجابات السوق بعد الانهيار العظيم ـ الذي جاء في أعقاب الذروة في سبتمبر 1929 ـ بانهيار البورصة اليابانية ليلة رأس السنة عام 1989، وانفجار فقاعة ناسداك عام 2000. وفي كل مرة بعد الانهيار، وجدت الأسهم مستوى معيناً في حدود قدرتها وتمتعت بعدة اندفاعات، أثناء حركتها الزاحفة إلى الأمام وعلى الجوانب لعدة سنوات. وهذا نمطٌ توقعْتُه لفترة السنوات الخمس لما بعد ليمان.

لكن انهيار ليمان لا يشبه أياً من تلك الأحداث السابقة. ومن الواضح أن هناك ديناميكيات مختلفة تمارس مفعولها. وجاء العنصر الإضافي من الاحتياطي الفيدرالي، وكذلك من الحكومة الأمريكية.

ففي مارس 2009 وصل مؤشر ستاندارد آند بورز 500 إلى أدنى مستوى له حين أصبح من الواضح أن برنامج إغاثة الأصول المعتلة – وهو أكثر إجراء مثير للجدل من الحكومة الأمريكية تقرر من خلاله تخصيص 800 مليار دولار من الأموال العامة لمساندة المصارف – أخذ يحدث آثاره. وكان ذلك حين أعلن كل من سيتي جروب وبانك أوف أميركا، اللذين كانت الأنظار مركزة عليهما باعتبارهما أكبر مواطن التخوف، أنهما أخذا يحققان أرباحا من أعمالهما.

عمليات حقن المال

وارتبطت الارتفاعات في مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بصورة تامة تقريباً بعمليات حقن المال من الاحتياطي الفدرالي، الذي حفز الأسواق من خلال شرائه السندات في إطار سياسة تعرف الآن عالمياً باسم التسهيل الكمي. وتتداخل فترات الهدوء في انتعاش أسواق الأسهم مع فترات الهدوء في التسهيل الكمي. وبصرف النظر عن أي شيء آخر يمكن أن يقال لمصلحة بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإنه لم يرتكب الخطأ نفسه مرتين. وبفضل الوقت الذي استطاع أن يكسبه للولايات المتحدة من خلال أموال التسهيل الكمي، حصلت أمور جيدة كبيرة: أعادت البنوك رسملة أنفسها؛ ووصلت أسعار المساكن إلى القاع ثم بدأت بالانتعاش؛ ولم يستطع التضخم أن يطل برأسه القبيح؛ وأصبحت البطالة أقل سوءاً مما كانت عليه.

لكن هنا تأخذ الأمور بالتحول نحو منحى إشكالي. فبعد هدوء العاصفة تبين الآن أن الضربة التي أصابت الاقتصاد العالمي كانت أقل بكثير من كونها تكراراً للكساد العظيم الذي ساد في الثلاثينيات. والفضل في ذلك يعود إلى الصين والأسواق الناشئة. فعقب أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي للعالم أقل من 1 في المائة عام 2009، أخذ منذ ذلك الحين يسجل نمواً سنوياً نسبته 3 في المائة أو أكثر.

نمط الأسواق

لكن في العالم الغربي لا يزال هذا الانتعاش يعاني فقر الدم، وإذا كان نمط الأسواق بعد الأزمات السابقة قد تغير، إلا أن نمط الأسواق عموما لم يتغير. ففي خارج ألمانيا تظل البطالة عند مستويات غير مقبولة سياسياً في أرجاء العالم الغربي. لكن عند مرحلة معينة لا بد من نهاية التحفيز النقدي، فهل الاقتصاد قوي بما يكفي لأن ينجو من إزالة التسهيل الكمي؟ وهل تستطيع المكاسب التي حققتها الأسواق أن تظل على حالها؟

تشير تجربة الولايات المتحدة إلى أنه لا خوف على الأسواق. فقد كانت عوائد السندات في ارتفاع منذ يوليو من السنة الماضية، مستبقة نهاية التسهيل الكمي. وهذه العوائد لم تدفع الأسهم إلى أدنى.

لكن الأسواق الناشئة تشير إلى خلاف ذلك، إذ تراجع النمو فيها بصورة لا يستهان بها، وأدت بداية التكهنات حول الانسحاب التدريجي من التسهيل الكمي إلى هبوط حاد في الأسهم والعملات، خصوصاً بالنسبة لعملات البلدان التي تعاني عجزا كبيرا في الحساب الجاري، مثل الهند وتركيا. وأوقفت حالات التراجع أخيرا، لكن ربما يكون السبب في ذلك فقط هو الآمال بأن الاحتياطي الفيدرالي في نهاية المطاف ربما لن يقرر الانسحاب التدريجي قريبا، أو أنه لن يقدم على انسحاب كبير.

إن الاندفاع العظيم في أعقاب انهيار ليمان يواجه اختباره الحرِج. وإذا أخذت الأسواق نهاية التسهيل الكمي ضمن مسيرتها العادية، فربما تكون هذه المرة مختلفة فعلاً. لكن يظل هذا احتمالاً بعيداً.

* فايننشال تايمز

back to top