رجل هذه المرحلة

Ad

تناولت في مقالي الأحد الماضي ما يراه محبو السيسي المعارضون لترشحه للرئاسة، وما يراه غيرهم من محبيه من أنه القوي الأمين الأصلح لحكم مصر في هذه المرحلة، وكلاهما مجمع على أنه رجل هذه المرحلة، ولكن البعض يراه هكذا في موقعه الحالي لحماية الثورة، ولقيادة الحرب على الإرهاب التي بدأها، ولتطوير القوات المسلحة، وهي المهمة التي اضطلع بها منذ أن أصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة بتوليه حقيبة وزارة الدفاع.

الخلفية العسكرية للرؤساء وتأثيرها

والسؤال الذي يحمله عنوان المقال السابق وهذا المقال، تتلاحم معه أسئلة أخرى هي:

هل الخلفية العسكرية للسيسي تقف دون التحول الديمقراطي في مصر؟ وهل الشخصية العسكرية المنضبطة، والملتزمه في هذا الرجل، والخلفية العسكرية التي تقوم على تنفيذ الأوامر دون معارضة تصلح لقيادة مصر في هذه المرحلة التي انحدر فيها الحوار السياسي إلى حوار بالسلاح، وغاب فيه المنطق والعقل، وقد قامت ثورة 30 يونيو على رفض نظام للحكم يقوم على السمع والطاعة، ورفض الآخر أم أن المشير السيسي هو الوحيد الأصلح لحسم هذا الحوار والقضاء على الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار لمصر في هذه المرحلة الدقيقة؟

أسئلة مشروعة تتردد في الشارع السياسي، وخلفها، بعض تجارب من الخلفيات العسكرية التي حكمت بلادها، حقق بعضها نجاحاً ولم يحقق البعض الآخر ما ترجوه الشعوب من تحول ديمقراطي، وإن حققت بعض الإنجازات أو كثيرا منها.

إلا أن من يطالع فترات الحكم التي تولاها هؤلاء الرؤساء ذوو الخلفيات العسكرية، ويدرس الظروف التي تولوا فيها الحكم والتحديات التي واجهوها، سوف يصل إلى حقيقة واحدة، وهي أنه لا يمكن أن نعزو النجاحات التي حققها هؤلاء الرؤساء إلى خلفيتهم العسكرية، وأن نغفل الظروف والعوامل التي ساعدتهم على تحقيق ما حققوه من إنجازات، كما أنه لا يمكن أن نحمل مسؤولية الفشل الذي لحق بهم في تحقيق أحلام الشعوب في حكم أنفسهم بأنفسهم إلى خلفية هؤلاء الرؤساء العسكرية وحدها، وأن نتجاهل التحديات التي واجهوها والنجاحات التي حققوها رغم هذه التحديات والشعوب التي التفت حول هذه الزعامات، وخلقت حكم الفرد أو المستبد العادل.

رؤساء ديمقراطيون

فلا أحد ينكر أن الرئيسين الأميركيين تيودور روزفلت وإيزنهاور، رغم خلفيتهما العسكرية، انخرطا في النظام الديمقراطي الذي يحكم الولايات المتحدة الأميركية، وكانا من الرؤساء العظام في أميركا، وأن الأول نال جائزة "نوبل" في السلام عام 1906، لأنه نجح بالوساطة بين روسيا واليابان في إيقاف الحرب بينهما، وأن الثاني كان للإنذار الذي وجهه إلى إنكلترا وفرنسا وإسرائيل بعد الإنذار الروسي، الفضل الأكبر في وقف عدوانهم الثلاثي على مصر عام 1956 وانسحابهم من الأراضي التي احتلوها.

وكان ديغول قائداً عسكرياً كبيراً قاد المقاومة الفرنسية بعد استسلام فرنسا، وأنشأ اللجنة الوطنية لفرنسا الحرة، وتولى رئاسة الحكومة المؤقتة بعد تحرير فرنسا.

كما تولى رئاسة فرنسا عام 1958، عقب حركة قام بها كبار ضباط الجيش، جاءت به إلى الحكم ليخمد الثورة الجزائرية، ولكنه خرج عن عباءة هذه الحركة، واعترف باستقلال الجزائر في اتفاقية إيفيان (مارس 1962)، وبعث فرنسا كأمة عظيمة، مستنكراً سياسة أميركا في فيتنام، وندد بالعدوان الصهيوني عام 1967، ومنع تزويد إسرائيل بالأسلحة الفرنسية، بعد الهجوم على مطار بيروت، وعارض التكتلات العسكرية العالمية التي تهدد السلم العالمي، فانسحب من الالتزامات العسكرية لفرنسا داخل حلف شمال الأطلسي (1966 – 1967).

وكان ديغول أكثر الرؤساء ديمقراطية عندما استفتى الشعب في عام 1968 على تعديل الدستور الفرنسي بما يحقق سلطات أوسع لرئيس الجمهورية، ليحقق برنامجه في الإصلاح الاقتصادي، وتنحى عن الحكم بالرغم من أن 60% صوتوا في هذا الاستفتاء بالموافقة على التعديل، لأنه اشترط– قبل الاستفتاء– لبقائه في الحكم، موافقة 75%.

وكان الرئيس الراحل محمد نجيب، الذي قاد الانقلاب العسكري في 23 يوليو 1952، ديمقراطياً عندما اختلف مع مجلس قيادة الثورة في أزمة مارس 1954 لانحيازه للحكم الديمقراطي وإصراره على عودة الجيش إلى ثكناته، وعودة الحياة النيابية.

وكان سوار الذهب قد تسلم السلطة أثناء انتفاضة أبريل 1985 بصفته أعلى قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات، وتقلد رئاسة المجلس الانتقالي إلى حين قيام حكومة منتخبة وسلم سوار الذهب مقاليد السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة في العام التالي.